تاريخ المقال طول المقال تتطلب قرائته
366 كلمة 3 دقيقة

توفي صديقي خالد -رحمة الله عليه- وهو شاب بسبب ارتفاع ضغط الدم، والذي كان أحد أسباب مرضه هو تدهور حالته المادية في آخر سنوات عمره، والتي حوّلته من شخص ميسور الحال إلى شخص يصارع تكاليف الحياة من أجل البقاء.


وإِذ كتبت هذا المقال لاستغلال فرصة الدعاء له بالرحمة ولوالدي -رحمة الله عليهما وعلى جميع موتى المسلمين- فإنّ القصة بدأت من عند صديقي خالد الذي تعرّفت عليه منذ أيام الدراسة، والذي ربما يكون هذا العام الذكرى الثامنة لوفاته. لقد ورث خالد من أبيه عقارات في عدة مناطق فخمة بمدينة دبي، ولكنه بسبب بعض المشاكل مع إخوته من أبيه لم يستطع الحصول على هذا الوِرث ودخل في معترك الحياة وصعوباتها، فهو مليونير على الورق ولكنه عاش مديونا على أمل أن يسدّد ديونه عند حَلّ مشاكل إرثه.


أعرف هذه الأيام الكثير  من أصدقائي المؤسسين والشركاء وأنا لست بأفضل حال منهم ممّن يملك أسهما في شركات ريادية عملاقة تقيّم بعشرات ومئات الملايين، وهم فعليا مٌصَنفون ضمن أصحاب الملايين ولكن كل هذا على الورق حتى يتمّ التملّك عبر اتفاقيات (cliff أو vesting) أو التخارج عند الطرح العام، وهذا يعني أنّ هناك مخاطرة كبيرة في حقيقة أن يحصل على تلك الملايين في النهاية.


صحيح أنّ وصفي للمديونير ليس المقصود به الوصف السيء كما هو في الذهن، ولكن هذا المليونير على الورق مٌطَاَلب بأن يعيش نمط حياة يتناسب مع الصورة النمطية له كونه مؤسِساً أو شريكا مؤسِساً لهذه الشركة، ولكن فعليا لا يستطيع أن يتحمل  هذه التكاليف بشكل كامل، فهو لا يملك المال في حسابه بل نصيبه هو عبارة عن أسهم على ورق قد لا يستطيع تملّكها أو قد لا يستطيع أن يتخارج منها. لذا فقد تجد أنّ سيارته الفارهة وبيته الفخم على شكل أقساط، وغيرها من ضرورات بناء الصورة الاجتماعية التي هو مطالب بتعزيزها؛ وكلّ هذا يصبّ في سعادة المستثمرين الذين يودّونك أن تبقى في حاجة ماسّةٍ إليهم حتى يضمنوا ولاءك للمشروع وذلك من أجل تنمية استثماراتهم.


هذا المقال كان مجرد فضفضة، كتبتهٌ وأنا أنتظر إقلاع طائرتي من المطار عندما تراجعت عن شراء قارورة ماء تعادل قيمتها 5 دولارات أمريكية – تقريبا عشرين ضِعف سعرها العادي – عندما تَذَكّرت صديقي المليونير الحقيقي الذي جلب معه قارورة مياه فارغة لكي يُسمَح له بالمرور عبر بوابة المطار الذي يمنع دخول السوائل، ثمّ قام بتعبئتها من مبرّد الماء المجاَني في الداخل لكي لا يدفع السعر الغالي لقارورة الماء فيه.