تصلني الكثير من الأسئلة يوميا عبر طرق التواصل المتعددة حول موضوع الشراكة وكيف يكون توزيع الحصص بين الشركاء وغالبها تدلّ على أن السائل مازال في بداية طريقه، وهذا ليس عيبا ياصديقي بل إنه خطوة جيدة أن تبدأ بالسؤال ولكن أنصحك بأن تقرأ وتبحث أولا قبل أن تسأل حتى تستطيع طرح السؤال بشكل صحيح وبالتالي تكون الإجابة عليه صحيحة.
في هذه المقالة الخفيفة – أتمنى ذلك - سوف أقوم بتلخيص ما سبق الحديث عنه في هذا المجال لعلها تكون بداية لكم لتبدأوا في الطريق الصحيح.
زواج كاثوليكي
الشراكة زواج كاثوليكي قالها لي أحدهم يوما ما، وهي فعلا كذلك؛ وهذا للدلالة على صعوبة فك الارتباط والانفصال عن الشريك إذ أن الزواج الكاثوليكي لا يمكن فيه فكّ الانفصال بين الشريكين \ الزوجين بسهولة وعادة ما تكون هناك آثار مدمّرة على الطرفين وخصوصا بأنه ليس هناك حق القوامة أو العصمة في يد الرجل الذي يعتبر هنا هو القائد وصاحب القرار النهائي كما في دين الإسلام.
لذا وجب الحذر ثم الحذر عند عمل الشراكات وخصوصا في اختيار الشريك المناسب الذي سيبقى معك مدى الحياة.
كلما كانت العقود وسخة كانت أقرب إلى النجاح
هذه الجملة قالها – أو فيما معناها - التاجر الكبير ورجل الأعمال الشيخ سليمان الراجحي، ودلالتها أنه عليك توثيق وكتابة كل شيء وإيضاحه بالعقود لكي لا يترك أي مجال لهوى النفس أو التفسيرات أو التكهنات وهذا أقرب إلى النجاح.
أكثر أسباب فشل الشراكات
حسب خبرتي المتعددة في عمل الشراكات التي باء بعضها بالفشل وبعضها تمّ التخارج بالتراضي وبعضها كان سببا للدخول في المحاكم وبعضها مستمر ويكبر ولله الحمد فإن أكبر أسباب فشل الشراكات أو عدم استمراريتها هو عدم الوضوح من البداية وترك المجال للتوقعات؛ بمعنى أنْ أتوقع أنّ شريكي سيقوم بكذا وهو يتوقع مني أن أقوم بكذا وقد يستحي هو مني أو أستحي منه في طرح أمور بديهية قد تبدو لي أو له، وبعد ذلك قد تكون هذه هي أسباب المشاكل. لذا فمن الأفضل أن يتم التعاقد والتكاتب في كل صغيرة وكبيرة وإيضاح ما هو واضح على الورق وكتابة عقد موثق.
انتظر هل أنت بحاجة إلى شريك فعلا؟
الشراكات أربع أنواع:
شريك بالمال فقط وهذا لا يسمى شريكا بل يسمى مموّلا أو مستثمرا
شريك بالجهد فقط وهذا لا يسمى شريكا بل يسمى موظفا أو أجيرا
شريك بالمعرفة فقط وهذا لا يسمى شريكا بل يسمى مستشارا
شريك بالعلاقات فقط وهذا لا يسمى شريكا بل يسمى وسيطا
إن لم تكن هذه الأربعة (المال، الجهد، المعرفة والعلاقات) مجالا للشراكة فأين تكون مجالات الشراكة إذاً؟
الشريك لابدّ أن يملك ثلاثة من هذه الأربعة على الأقل وعليك أنت أيضا أن تملك ثلاثة من هذه الأربعة على الأقل، ويجب أن يكون أحدكما ملمّا في واحد أو أكثر من هذه المجالات بشكل أكبر من الشريك الثاني على أن يقوم الشريك الآخر بإكمال النقص الذي لديك في أحدها.
مثلا محمد لديه (معرفة بالبرمجة ويمكن أن يمارسها، خبرة طويلة في تطوير التطبيقات، وعلاقات بناها خلال سنوات يمكن أن تجلب زبائن محتملين).
الشريك المناسب لمحمد سيكون خالد (يملك مالا للتمويل، علاقات جيدة أيضا يمكن أن تجلب زبائن جدد، ومعرفة في الإدارة ويمكن أن يمارسها).
هنا نقول أنه يمكن أن تكون هناك شراكة ناجحة بين محمد وخالد.
أما في حال كان لدى خالد (علاقات فقط) ومحمد (موهبة بالبرمجة فقط) فهذا يعني أن هناك خللا ونقصا ويحتاج الشريكان إلى من يكمّلهما وفي النهاية ستكون هناك مشكلة في هذه الشراكة ولابد أن يتم توثيق ذلك في العقد لكي لا يعتقد محمد بأن خالد سوف يقوم بالتمويل وأيضا لكي لا يعتقد خالد بأن محمد سوف يقوم بإدارة الشركة لأنه فقط سيقوم بالبرمجة.
من هو الشريك المميز بين الأربعة إذاً؟
كما اتفقنا سابقا يتم اعتبار الممول بالمال فقط مستثمرا وهو الأعلى في أن يحصل على حصة من أسهم الشركة من دون باقي الشراكات الثلاث المتبقية (الجهد، المعرفة، العلاقات) إلا في حالة واحدة فقط وهي إن كانت إحدى هذه الشراكات الأربع مهمة جدا ومفصلاً محوريا في تكوين الشركة ولا يمكن تعويضها أو استئجارها بالمال.
مثلا شخص لديه معرفة وهي عبارة عن اختراع مسجل ولا يمكن تقليده، أو شخص لديه علاقات معينة ضرورية لكي يتمكن من إدارة العمل ودون هذه العلاقات لا يمكن إتمام العمل، أو شخص يمكنه القيام بجهد معين لايمكن إيجاد مثيل له.
أمثلة:
صاحب الجهد الذي يمكن أن يكون شريكا هو: ممثل ذو موهبة فريدة، أو لاعب رياضي متفوق، أو مبرمج لديه خبرة طويلة وتجارب أو حرفي ذو صنعة.
صاحب العلاقات الذي يمكن أن يكون شريكا هو: في حال كانت الشركة تحتاج إلى تصاريح خاصة من الحكومة مثلا ويمكن لصاحب العلاقات أن يؤمنها، أو تحتاج إلى دخول مجال تمّ احتكاره من قبل تجار معينين وصاحب العلاقات يمكنه أن يجعلك تقتحم هذا المجتمع الذي تمّ احتكاره.
صاحب المعرفة الذي يمكن أن يكون شريكا هو: شخص لديه براءة اختراع مسجلة، أو شخص لديه معرفة ستستخدم وتباع كمنتج. مثلا شخص لديه إمكانية في التخطيط الاستراتيجي وسوف تقومون ببناء شركة متخصصة في عمل الخطط الاستراتجية للشركات كخدمة أساسية من شركتكم.
لماذا صاحب المال أفضلهم؟
لأن المال يمكنه أن يوظف صاحب الجهد بأجر شهري ويمكن للمال بأن يقوم بشراء خدمات استشارية من صاحب المعرفة، كما يمكن للمال أن يجلب من لديهم علاقات لكي يقوموا بالحصول على عمولات أو أجر وساطة مقابل توظيف علاقاتهم.
كيف لا يمكن لصاحب المال أن يكون شريكا؟
لأن الشراكة تعني أكبر من ذلك كما أن صاحب المال الذي لا يملك سوى المال يعدّ أسوء الخيارات لأنه إن انتهى المال لن يقوم بمساعدتك في شيء آخر. كما جرى الحال فإن صاحب المال تكون لديه علاقات وفي الغالب تكون لديه خبرة فإنه سوف يساعدك في توجيهك بخبرته ويفتح لك الأبواب عبر علاقاته وذلك لأن هدفه الأكبر هو أن لا يخسر أمواله التي استثمرها معك ويودّ أن ينمّيها.
إذن ابحث عن مستثمر ولا تبحث عن شريك
كما ذكرنا سابقا بأن المستثمر عادة سوف يقدم لك أكثر من المال لأن هدفه هو أن ينمّي استثماراته، ويمكن للمال في الغالب أن يستأجر الخدمات التي تحتاجها وتعوض النقص بواسطة المال.
السؤال هنا كيف يتم الاستثمار؟
في الغالب يتم طرح نسبة صغيرة من أسهم الشركة للاستثمار، مثلا 10% أو أقل وذلك لتمويل الشركة في البداية، و هذا يتم بناءً على عمل تقييم أولي للشركة ودراسة لما سيتم الوصول إليه في المستقبل. ولنقل بأنه تم تقييم الشركة بقيمة (مليون ريال) فإن المستثمر سوف يقوم بضخ (100 ألف) في الشركة مقابل حصوله على (10%) وهذه الأموال سوف تضخ بالشركة لتشغيلها ولا تدخل في جيب صاحب الشركة.
بعد فترة بالتأكيد سوف يتم انتهاء مبلغ (100 ألف) وسوف تحتاج إلى المزيد من الأموال للتوسع والنمو وعندها يمكن بيع ما نسبته (10%) أخرى ولكن هذه المرة مقابل قيمة أكبر، حيث إن قيمة الشركة اليوم بعد أن تم استنفاد ما قيمته (100 ألف) فيها أصبحت في وضع أفضل من السابق، لذا ربما أصبحت قيمتها (3 مليون) ولهذا فإن قيمة (10%) الثانية ستكون (300 ألف) بدلا من (100 ألف) وهنا سوف يكون المستثمر الأول ربح بأن قيمة أسهمه ارتفعت 3 أضعاف وصاحب الشركة استفاد بأن قيمة شركته أصبحت أكبر وما زال يملك ما قيمته 80% من الشركة.
مع الوقت سوف يقوم صاحب العمل ببيع حصة صغيرة في كل مرة من شركته ويراها تكبر أمامه وقيمتها تعلو وفي النهاية ستكون قيمة الأسهم المتبقية لديه مهما كانت نسبتها مرتفعة جدا.
ماذا لو طلب صاحب المال حصة كبيرة مقابل استثماره؟
تخيل معي السيناريو التالي وهو بعد أن تم تقييم الشركة بقيمة (مليون)؛ طلب المستثمر أن يضخ ما قيمته (800 ألف) وهو في الغالب ما لن يكون ضروريا في بداية الشركة فإن المستثمر سوف يملك (80%) من الشركة، إذن وبعد انتهاء رأس المال من أين سوف يتم تمويل الشركة للمرحلة القادمة؟ من سيبيع من حصته؟ بالتأكيد أنت كصاحب الشركة فلن يستغني المستثمر عن أسهمه وهنا سوف تصاب أنت كصاحب شركة بخيبة الأمل ولن يصبح لديك هذا الشغف الكبير الذي كان لديك في البداية لهذه الشركة إذ أصبحت أنت من البداية أقلهم نسبة وأقلهم قيمة.