تاريخ المقال طول المقال تتطلب قرائته
1357 كلمة 9 دقيقة
سأتحدث اليوم عن الشبكات الاجتماعية من منظوري كمطور / مبرمج وما هي بعض الأساسيات التي تجعل من هذه الشبكات تشتهر وتنجح،  لعلّ في ذلك تحفيزا لوجود شبكات اجتماعية عربية ولا أقصد أن تكون باللغة العربية بل أقصد عربية المنشأ، وسيكون كلٌّ من موقعَيِْ (Facebook) و(twitter) نموذجين أساسيين في أمثلتي لأنّها أقرب للناس مع وَضْع بعض الأمثلة الأخرى من الشبكات الاجتماعية.

أولا: نموذج العمل (business model)
أغلب مواقع الشبكات الاجتماعية تقدّم خدماتها بالمجان، والسؤال الذي يطرحه الكثير ممّن هم بعيدون عن هذا العالم؛ كيف تربح هذه المواقع؟ بل وبعضهم يسأل متشكّكا هل فعلا تربح !؟

في البداية، أودّ أن أسرد هذه المعلومة: فاتورة الكهرباء فقط للخوادم / للأجهزة التي تستضيف موقع (Facebook) وقت كتابة هذا المقال كانت تتعدى (مليون دولار)  شهريا، راجع المعلومة (فاتورة شهرية للكهرباء فقط بمليون دولار) وهذا الخبر قديم وأكاد أجزم بأنّ هذا الرقم تضاعف الآن ليصل إلى (مليونين دولار شهريا)، إذن كيف يسدّد الموقع هذه الفاتورة إن لم يكن يربح؟

ببساطة، هناك ربح كبير ولكنه عادة يأتي متأخرا، وهذه المواقع استطاعت المضي قدما لأنّ هناك استثمارات وصلت قيمتها بالنسبة لموقع (Facebook) في العام (2004) إلى أكثر من (500) مليون دولار  حتى استطاع دفع المصاريف والبقاء صامدا إلى أن بدأت دورة الربح.

بالعودة إلى نموذج العمل الذي تعتمده هذه المواقع، ففي البداية تركّز على استقطاب الزوار وبناء ما يسمى مجتمع (community) حول الموقع لبناء المحتوى والذي يتمّ عن طريق الزوار أنفسهم فهذه المواقع توفّر تطبيقا أو منصة عمل لتترك زوار هذا الموقع يقومون ببناء المحتوى ومشاركته مع الزوار الآخرين، وعند توفر الزوار الدائمين والمدمنين في كثير من الأحيان للموقع فإنّك تستطيع التفكير في عشرات الطرق لجني الأرباح والتي من أشهرها الربح عن طريق بيع الإعلانات، فمثلا عندما كنت أقوم بالإعلان عن طريق موقع (Facebook) كنت أستطيع تحديد البلد وعمر الفئة المستهدفة وحتى اهتماماتهم لكي تكون حملتي الإعلانية محددة وليست عامة؛ وهذه المعلومات وفّرها لي موقع (Facebook) لأنّه طلبها من المستخدمين عند التسجيل.

كذلك الحال، هناك نماذج أخرى للتربح اعتمدها موقع (Facebook) في الماضي مثل بيع الخدمات أو الألعاب إن أحببتم تسميتها، فمثلا كنت تستطيع شراء وردة افتراضية وإرسالها لصديق.

لذا، فإنّه في بداية الشبكات الاجتماعية وجب الانتباه إلى أنّ تحديد نموذج العمل يكون بالعامة (بالمجان)، ونموذج التربح يمكن تحديده لاحقا وبالتالي سيكون هناك الكثير من الاستثمار حتى تصل لنقطة الربح.

ثانيا: العالمية
الكثير من المواقع العربية التي قامت بنسخ أفكار الشبكات الاجتماعية لم تلقَ رواجا كبيرا والسبب ببساطة هو أنّ الشبكات الاجتماعية أداة تواصل عالمية ولا يمكن قصرها على بلد محدد أو لغة محددة إلا في حال كانت متخصصة كما سأذكر في النقطة الثالثة، فمثلا موقع (وت وت) وهو موقع عربي شبيه بموقع (twitter) ولقد ظهر مع بدايات ظهور موقع (twitter) ولكن لماذا لم ينجح مثله؟ والجواب ببساطة: لأنّ تويتر عالمي.

للتوضيح، تخيّل أنّك تقدّم عرضا / دورة / محاضرة في أمريكا مثلا وقمت بوضع حسابك على موقع (وت وت) كنوع من طريقة التواصل فهل سيعرف الأمريكيون موقع (وت وت) ؟ وهل يستطيعون متابعتك والتواصل معك عبره؟ هذا المثال أقرب لمن يملك هاتفا محمولا لا يستطيع أن يتصل بأيّ أحد من خارج دولته، هل وصلت الفكرة؟

لذا، فمن الأفضل إن لم يكن أساس الموقع محددا بفئة مستهدفة أن تكون لغته الأصلية هي اللغة الإنجليزية حاليا، وربما الصينية بعد فترة بسبب انتشارها على الإنترنت :) ولا مانع من وضع لغتك الأم أو عدة لغات للموقع في نفس الوقت أو تباعا، وذلك بناءً على توسّع وانتشار الموقع وشهرته كما فعلت كل الشبكات الاجتماعية.

ثالثا: الفئة المستهدفة / الفكرة
من المهم جدا تحديد الفئة المستهدفة من شبكتك الاجتماعية، فإنّ نجاح الشبكات الاجتماعية العامة مثل (Facebook) أصبح صعبا مع أنّ (Facebook) أصلا كان مستهدفا لفئة محددة ولكنّه أصبح أعم مع الحفاظ على الهوية الأساسية وهي التواصل والتشبيك مع أناس تعرفهم من حياتك الواقعية (العائلة / زملاء الدراسة والعمل / الأصدقاء)، لذا تجد بأنّ الحد الأقصى المسموح به بالتشبيك هو (5) آلاف صديق وهو رقم كبير جدا لمعارف شخص واحد من حياته الواقعية، ولكن بسبب انتشار الموقع وشهرته أصبح هناك ما يسمى بصفحة المشاهير والتي يودّ أن يرتبط بها الجميع والتي يكون بها العدد مفتوحا.

موقع مثل (yammer) هو شبيه بموقع (Facebook) ولكنه متخصص للتشبيك مع زملائك بالعمل فقط ! والهدف الرئيسي هو بدلا من أن تضيّع وقت العمل في التجوّل بين المكاتب والأحاديث الصغيرة لمعرفة أخبار أصدقائك فيمكنك ذلك عبر هذا الموقع المتخصص.

ومن ناحية أخرى، يمكن تخصيص الفكرة فمثلا موقع (Facebook) يوفّر من ضمن خدماته ما يسمى (Micro blogging)، وموقع تويتر ما هو إلا  (Micro blogging) ولكن هذا التخصص جعله يكون أقوى وأشمل في تركيزه على هذه الخدمة.

هناك مواقع اجتماعية أخرى متخصصة في فكرة محددة مثل موقع (YouTube)  وهو لمشاركة الفيديو، وأخرى لمشاركة الصور مثل (Flickr)، وأيضا هناك شبكات اجتماعية متخصصة في أشياء أكثر مثل الاحترافية أو المهنية مثل موقع (LinkedIn)، وأخرى في مشاركة العروض التقديمية مثل (SlideShare)، وهناك العشرات من الأفكار والنكهات كما أحب أن أسميها في مجال الشبكات الاجتماعية والتي تعتمد مفهوم المشاركة والتواصل.

رابعا: التصميم وقابلية الاستخدام
التصميم الجيد والجميل الجذاب من أساسيات أيّ موقع وهي البوابة الأساسية لجذب الزائر في أول دخول له، وكذلك الحال نكهة ما يسمى (Web 2.0) في التفاعل مع الموقع حيث أصبح الناس معتمدين عليها بل ومتوقعين أكثر لكيفيتها، ولكن الأهم من كلّ ذلك هو قابلية استخدام الموقع  وتوقّع كيفية استخدام الزائر لهذه الخدمات، حيث يصل إلى الخيار المناسب في الوقت الذي يحتاجه فيه ولا يضيع بين عشرات الخدمات والوظائف المتنوعة للموقع. وهناك قانون أساسي يجب اعتماده ويقال باللغة الإنجليزية (Simple is better) ويعني (البساطة أفضل)، وهذا لا يعني أنّ هذه المواقع التي تبدو بسيطة لا توفّر عشرات ومئات الخيارات ولكنها تختار طريقة في التوزيع والوصول لهذه الخيارات في الوقت الذي يحتاجها فيه المستخدم وهذا يحتاج إلى الكثير من الدراسة والتحليل لسلوك المستخدم وتوقّع ماذا سيفعل في الخطوة التالية. ولا ننسى بأنّ الفكرة الأساسية لمواقع التشبيك الاجتماعي هي المشاركة والتواصل.

خامسا: اللمسة البشرية \ الصبغة الانسانية
لعل هذه النقطة تابعة لنقطة التصميم وقابلية الاستخدام ولكن أحببت أن أفردها كنقطة مستقلة لكي أركّز عليها بشكل أكبر، فإنّ توقّع ما يريده المستخدم من خيارات ومن سلوك هو ما يحفزّه للتواصل بشكل أكبر مع الموقع فهو يشعر بأنّ الموقع يتخاطب معه وليس مجرد آلة، فمثلا آلية التنبيهات الفورية في (Facebook) تخبرك في الحال بأنّ هناك من قام بالتخاطب معك وليس الانتظار لفتح صفحة جديدة، وكذلك في حال قمت بالوصول لآخر الصفحة فإنّه يقوم بتحميل المزيد من المواضيع تلقائيا. أما عن اللمسة البشرية الأكبر هو عندما يخبرك بما يفعل أصدقاؤك الآن ويتوقع أين يجد صورتك بين صور زملائك ويخبرك بمكانها، فكلّ هذا الذكاء الاصطناعي يجعل الموقع أقرب إلى كونه (بشريا) يتخاطب ويتواصل معك.

سادسا: قابلية الوصول
قابلية الوصول أعني بها كيفية الوصول لهذه الشبكات،  فالآن أصبحت الهواتف أو الأجهزة الذكية (Smart Phone) وخصوصا (iPhone / iPad / Android) ومحاولة كلّ من (Microsoft / Nokia / Blackberry) في هذا المجال بأن توفر حلولا للتواصل والتكامل مع الشبكات الاجتماعية. فمن جهة تقوم المواقع الاجتماعية نفسها بتوفير تطبيقات متخصصة لهذه (الأجهزة الذكية) أو تقوم بتصميم نسخ مخصصة من مواقعها بما يتناسب مع تصفحها من هذه الأجهزة، ومن جهة أخرى تقوم هذه الأجهزة بتوفير تكامل مع هذه الشبكات مثلا في تطبيقات مثل تطبيق الصور أو الفيديو والذي تقوم به أنت كمستخدم بأخذ صورة من كاميرا هاتفك المحمول يمكنك مباشرة في مشاركتها عبر نفس التطبيق مع أصدقائك على موقع (Facebook) أو (Twitter).

كذلك الحال، يجب على هذه المواقع توفير امتدادات لها يمكن مشاركتها بشكل مباشر بأشكال أخرى، مثل ما يسمى (التضمين) بالإنجليزية (Embedded) والتي تمكّن المستخدم من تضمين إحدى هذه المواد من أحد هذه المواقع ضمن موقعه كما هو الحال مع موقع مثل (YouTube) والذي يوفّر إمكانية تضمين أيّ فيديو مع مشغلّه داخل موقعك مباشرة.

سابعا :التطوير
التطوير والتحسين المستمر للشبكات الاجتماعية أمر ضروري، فمن ناحية يعتمد على سلوك المستخدمين لهذا الموقع، ومن ناحية أخرى في تحسين الأداء وخصوصا مع ازدياد عدد رواد الموقع؛ فإن لم تقم بمجاراة هذا التضخم فسوف تخسر الزوار بسبب قلة أداء الموقع أو توقفه أو عدم توفيره ما يتوقع منه.

كذلك الحال، من أساسيات نجاح مواقع الشبكات الاجتماعية توفيرها ما يسمى واجهة المطور أو اختصارا (API) وهي بالعرف البرمجي تسمى (خدمات ويب) أو (Web services) والتي من شأنها توفير طريقة للتخاطب مع خدمات الموقع وباتجاهين أي في إمكانية الإضافة إلى الموقع أو القراءة منه، وذلك عبر طرق وبروتوكولات معروفة ممّا يسهّل في توفير خدمات مكمّلة أو تكاملية مع هذه المواقع والتي من شأنها زيادة شهرة وانتشار الموقع بل وزيادة الاعتمادية عليه.

في النهاية، هل تعلم أنّه يقال بأنّك تستطيع الوصول لأيّ شخص في العالم عن طريق حدّ أقصى (7) أشخاص متصلين، وهذا أصبح ممكنا أكثر عبر الشبكات الاجتماعية. بمعنى لو أنني أردت مخاطبة الرئيس الأمريكي (أوباما) شخصيا فإنّه يمكنني مثلا الاتصال بـ (زيد) والذي يعرف (عبيد)، والذي بدوره يعرف(فلان) والذي يعرف (علان)، والذي ربما يقرب إلى أو يعرف (أوباما) :)

دمتم ناجحين