بعد كتابة موضوعي السابق بعنوان (هل لديك فكرة تطبيق جديدة ومبتكرة وتؤمن بنجاحها وتحتاج إلى شريك تقني؟) فإن أكثر سؤال وردني من القراء هو:
كيف لي أن أحافظ على فكرتي من السرقة عندما أشاركها مع أي شخص أو مطور سيطور لي التطبيق؟
كنت قد أجبت ضمنيا على هذا السؤال ضمن نفس المقالة السابقة، وأنا متأكد من أن غالب أصحاب هذا السؤال لم يقرأوا المقالة بالكامل و أصفهم بالكسالى الذين ليسوا مستعدين للقراءة فكيف لهم أن ينجحوا في مشاريعهم! ومع ذلك سوف أضع تفصيل الإجابة في هذه المقالة فربما يقرأونها هذه المرة وستكون أطول بكثير لكي يستزيد المجدّون ويتعب الكسالى أكثر :)
كما قلت سابقا ستكون هذه المقالة طويلة بعض الشيء وسأقوم بتعزيزها بقصص وتجارب شركات حول العالم حتى تصلكم الفكرة النهائية و تكفيكم الإجابة هذه المرة. فيا عزيزي القارىء خذ نفسا عميقا و جهّز لنفسك ترمس شاي ثقيل لكي تبحر معي عبر هذه المقالة الجميلة.
تحرّك الشركات ثقيل... وقصة شركة بلاك بيري وواتساب
أولا، لأن رواد الأعمال أخف حركة من الشركات وذلك بسبب أن الشركات في العادة لا تدخل في أي مغامرة إلا وتكون محسوبة، لهذا السبب فإن ذلك يتطلب منها الكثير من الوقت والبيروقراطية التي تصاحبها حتى تقوم بأخذ أي قرار، كما أن الشركات ومع كثرة مواردها التي يخاف الناس منها بأن تكون هي القوة التي تساعد الشركات على الخروج بسرعة بتنفيذ الفكرة إلا أن هذه القوة نقمة على الشركات وليست نعمة؛ فوراء كل هذه الموارد مصاريف وتكاليف كبيرة تخاف الشركات أن لا تستطيع تسديدها لذا فلن تستغلها إلا في شيء واضح. كذلك الحال هذه الشركات كلما كبرت كلما خافت أكثر على اسمها وسمعتها على أن يقوم أي أحد بالدخول معها في قضايا لكي يستغل مواردها.
فتجد أن هذه الشركات العملاقة المتخصصة تقوم بافتتاح مراكز للبحث والتطوير وظيفتها الأساسية هي توليد الأفكار والعمل عليها ضمن توجهات الشركة وسياستها وبالتأكيد يعتبر هذا المركز مصنع أفكار؛ فرجاءً لا تخف على فكرتك منهم وإليكم قصة تطبيق الواتساب وشركة بلاك بيري.
كلنا نعرف شركة (بلاك بيري) هي شركة عملاقة في دولة كندا تقوم بتصنيع الهواتف وهي من أوائل الشركات التي قامت بالعمل على الهواتف الذكية الموجهة للمؤسسات حيث قامت بعمل سيرفرات وتطبيقات تهتم بهذه الشريحة، ومن ضمن هذه الخدمات هو توفير تطبيقها للبريد والمحادثة الفورية المشفرة والهدف هو أن تتم هذه المحادثات والرسائل ما بين المستقبل والمرسل بشكل سري وآمن.
و بعد سنوات من تربّعها على هذا السوق ونجاحها وانتشارها بين المستهلك العادي الذي احتاج إلى تطبيق محادثة سريع وفعال، والذي نجحت الشركة وبالتعاون مع شركات الاتصالات حول العالم بإضافة مبلغ اشتراك شهري أعلى من اشتراك حزمة البيانات وخدمة الاتصال مجتمعة
ولكن الآن فقدت الشركة كل ذلك.
السبب هو أنّ تطبيق واتساب وأشباهه قام بتوفير نفس الحاجة للمستخدم حيث إن المستخدم العادي غير مهتم بتشفير البيانات ولكنه يودّ بأن يقوم بالتواصل مع من يحب كما يحتاج إلى أن يغيّر جهازه كل فترة والحصول على جهاز هاتف أنيق أيضا.
تطبيق شركة بلاك بيري (BBM) هو برنامج (تطبيق) كان باستطاعة الشركة خلال أسابيع أنْ توفّره على كل المنصات دون ارتباطه بأجهزتها والبقاء على الاشتراك الشهري الذي تأخذه من الناس مقابل هذا التطبيق، ولكن بسبب البيروقراطية وربما الغرور أيضا حاولت أن توفر أجهزة هاتف تحاكي السوق لكن أليس من الأسهل عليها نشر التطبيق بدلا من تصنيع ونقل وتوزيع وبيع جهاز جديد؟
وبهذا تنتهي قصة شركة عملاقة كانت بطيئة بالتحرك جدا جدا جدا حتى أوقفت الأجهزة وحاولت اللحاق بالفكرة الأساسية ألا وهو توفير التطبيق بشكل مستقل ولكن " باي باي يا توتة خلصت الحدوتة ".
استنساخ أفكار التطبيقات الناجحة وقصة شركة روكت إنترنت
لحظة من فضلك!
هلاّ فكرت معي بعقلية بعيدة بغباء ماتفعله هذه الشركة!!! أما كان يكفيها أن تقوم بتطوير تطبيق واحد وتقوم بالدخول بهذه المبالغ في كل هذه الأسواق بدلا من أن تقوم بشراء كل موقع وتطبيق مختلف عن الثاني، أو دعنا نقول أليس من الذكاء أكثر بأن كان على هذه الشركة أن تكتفي ببناء برنامج أو أن تشتري واحد من هذه المواقع أو التطبيقات وتقوم بنقله لباقي البلاد؟
امممم ، اعلم ياعزيزي بأن هذه الشركة تملك فريق تطوير قوي وكبير جدا متعدد الجنسيات في ألمانيا بل حول العالم وتستطيع أن تقوم بواسطة المبالغ التي صرفتها أن تقوم ببناء تطبيق ربما يقوم بإرسال الطعام ضمن (مرفق) بالبريد الإلكتروني : ) ولكنها غير مهتمة في استنساخ تطبيقك بل هي تبحث عن الحصة السوقية التي قامت هذه التطبيقات بتغطيتها وطبعا خبرة فريق العمل الذي يعمل على هذا التطبيق في كل منطقة.
مع العلم أنه خلال مسيرة هذه الشركة قد قامت سابقا بمحاولة استنساخ تطبيقات أفضل من الموجودة والدخول في منافسة في نفس المنطقة ولكنها فشلت وخرجت من السوق التركي مثلا في مجال التجارة الإلكترونية ولم تستطع المنافسة مع كل هذا الكمّ الهائل من الأموال التي تملكها.
ماهي القيمة المضافة وقصة شركة أبل والفأرة
إذن فكرتك الخلاقة والعبقرية إن لم تستطع تحسينها واستغلالها بالشكل الصحيح وفي المكان الصحيح والوقت الصحيح فليس منها أيّ فائدة وستبقى حبيسة أدراج عقلك تنام على وسائد الأحلام الوردية وبطولات ستروي قصصها لأحفادك بأنه سبق لك وأن فكرت بهذه الفكرة قبلهم!!
التنفيذ الصحيح وقصة تطبيق تسوق في الرياض
هل تضايقت؟ نعم تضايقت قليلا ليس لأنهم (لطشوا) الفكرة بل لأنه لم يخبرني بذلك على الأقل كنت سأساعدهم بإخراجها بشكل رائع ولكن ما ضايقني فعلا هو التنفيذ السيء للفكرة أولا، وبأن الفكرة حتى لو نُفّذَت بشكل صحيح فهناك جوانب أخرى لابد من عملها لكي تكتمل الدائرة ويؤدي هذا التطبيق الفائدة المرجوة منه ثانيا.
نهاية القصة؛ التطبيق كان سيئا بالتنفيذ وفشل فشلا ذريعا ولم تُفهم الفكرة من ورائه ولم تنجح فكرته ومازالت الفكرة متوفرة لدي لكي أحاول عملها مرة أخرى ولكن مع خبرة أكثر اكتسبتها من تنفيذ واستثمار غيري والتعلم من أخطائهم.
الفكرة حلم لا يساوي شيئا وقصة شركة فورد ومساحة الزجاج
ولكن في وقتنا الحاضر يكفيك سماع محاضرات (تيدكس) أو المرور على مواقع التمويل الجماعي مثل (كيك ستارترز) وتعرف بأن أصحاب تلك الأفكار يفصحون عن أفكارهم بسرعة بل ويحاولون ترويجها بكل ما لديهم من قوة لأنهم إن لم يقوموا بذلك فسيسبقهم إليها غيرهم وتندثر أفكارهم التي سيفوت أوانها.
شغف صاحب الفكرة جزء بسيط من المعادلة
مازلت أحتفظ باسم النطاق هذا حتى اليوم وأدفع عليه كل سنة لتجديده وذلك لأقوم بتذكير نفسي كل عام بأن الفكرة لوحدها لا تكفي بل تحتاج إلى شغف يحرك صاحبه للعمل بجهد متواصل كل يوم وهذا ما جعل شركة علي بابا اليوم بقيمة سوقية أكثر من 160 مليار دولار وعدد مشتركيها النشطين يصل إلى أكثر من 360 مليون مشترك.
الفكرة الصحيحة في الوقت الصحيح ليست كافية
نعم مازال المشروع واعدا حتى اليوم وهناك العديد من المفاوضات حول شراء حصة وإعادته للعمل.
المبرمج الجيد لا يحتاج إلى أفكارك بل يحتاج إلى مالك
لذلك عندما تبحث عن مبرمج جيد وكان مستعدا للعمل معك فاجعله شريكا لك بدلا من أن يكون أجيرا. فبعد أن تقوم بتطوير التطبيق أو الموقع لن تنتهي التحديثات والتطويرات وعمليات الصيانة أبدا وستحتاج إلى فريق دائم للعمل المستمر لكي يبقى هذا الكيان يعمل بشكل جيد.
الفكرة تحتاج إلى تنقيح وتهذيب وتشذيب
شارك فكرتك مع مجتمعك المحيط واسمع منهم انتقاداتهم قبل كلمات الإعجاب والمديح بفكرتك وحاول تحسين فكرتك واطرحها على دائرة أكبر من الناس. تحدث بها بصوتٍ عالٍ وانشرها بين الناس أجمع، فلو فشلت كفكرة فهي مجرد فكرة وهذا أقٌل تكلفة من أن تفشل بعد أن تستثمر فيها وتضيع وقتك عليها، ولو لم تفشل فأنت قد حصلت على أفضل استشارات مجانية من زبائن المستقبل.ما الذي يمكنك حفظ حقوقه؟
في النهاية لا يمكنك عزيزي أن تحفظ حقوق فكرتك بأي شكل من الأشكال؛ فالأفكار لا يتم حفظها ويمكن لأي شخص بأن يقلدها ويستنسخها إن لم تكن منتجا محسوسا ومسجلا بشكل تفصيلي عن آلية عمله. وحتى ذلك الشيء يحتاج إلى تكاليف باهظة لن تستطيع أن تتحملها.فمثلا يمكنك حفظ حقوق العلامة التجارية وربما الاسم في السعودية بقرابة 2500 ريال ولكن هذا لا يحمي حتى العلامة التجارية في الخارج ويمكن لأي شخص خارج السعودية ودول الخليج أن يقوم باستنساخ ذلك، كما أن تسجيل العلامة التجارية محليا لا يحميها دوليا وتكلف عشرات الآلاف من الدولرات وشهور لاتمامها والكثير من الأوراق والروتين الممل الذي لا يطيقه سوى المحامون والمختصون.
في الختام ياعزيزي انطلق بفكرتك ولا تجعلها حبيسة عقلك لكي تترك المجال لفكرة جديدة بأن تولد بدلا من تركها تشيب وتموت في عقلك.