اليوم أكملت 12 سنة منذ أن شاركت أو بدأت بتأسيس أول مراكز تطوير برامج للعمل عن بعد في دول بالترتيب هي كالتالي حسب ذاكرتي (سوريا، مصر، الهند، فلسطين، الأردن، تركيا، مصر، بولندا، إندونيسيا ومصر)، وما شجعني للكتابة عن الموضوع اليوم هو طلب الكثير مني في هذه الفترة بأن أساعدهم للحصول على المطورين المحترفين ومشاركتهم تجربتي، حيث إنّ المهارات أصبحت نادرة منذ التسارع في التحوّل الرقمي الذي رافق وباء كورونا والذي حوّل العالم كله ليبحث عن طاقات ومهارات في تطوير وبناء البرمجيات وسرّع من وتيرة تبنّي العمل عن بعد.
تجربتي في سوريا (1999)
تجربة أولية لم تزد عن سنة؛ أعتبر سبب نجاحها هو أنني أقمت في سوريا أغلب وقت ببناء تلك المشاريع، وكنت أوفر المكان والأجهزة للمطورين، وهذه التجربة غير محسوبة ضمن مسيرة 12 سنة لأنها كانت في العام (1999) أي قبل (23) سنة، ومن ثمّ حاولت تكرار التجربة للتوظيف عن بعد في سوريا ولم أستطع أن أنجح في إدارة الفريق عن بعد مع أنّه الفريق نفسه.
التجربة الأولى في مصر (2010)
لي في مصر (3) تجارب أول اثنتين فاشلتين والثالثة ناجحة, كانت تجربتي الأولى في مصر عام (2010) وكررت التجربة لمرة ثانية أيضا بعدها في عام أو نحوه، وكلّ من التجربتين في مصر كانتا غير ناجحتين ولكن التجربة الثالثة والتي بدأتها منذ حوالي (3) سنوات نجحت وهي مستمرة حتى الآن وتعدّ أفضلهم؛ وسوف أذكر بعض أهم أسباب نجاحها وربما الأهم وهو الشريك الذي نعمل معه في مصر، شركة (recapet).
- الكثير من الشركات العربية والعالمية تستهدف مصر منذ عشرات السنين (على سبيل الذكر أول نظام تشغيل لكمبيوتر صخر كان في مصر وتعريب نظام Windows كان في مصر لفترة) كونها تحوي كفاءات في هذا المجال وهذا من شأنه نشر ثقافة العمل عن بعد وتقبّلها لدى الشعب.
- تعتبر التكاليف معقولة أو رخيصة مقارنة بالكثير من الدول وخصوصا في التجربتين الأولى والثانية، وأعتقد مؤخرا أنّ التكلفة لم تصبح أحد عوامل المنافسة كونها ارتفعت لتصبح قريبة من المتوسط العالمي.
- الكثير من الجامعات ومراكز التدريب تضخ خريجين جددا لسوق العمل سنويا، وكذلك كثرة الشركات التقنية ساعدت في تدريبهم وتدويرهم بين الشركات وهذا ساعد في توفر الطاقات البشرية في هذا المجال.
- قرب اللهجة المصرية لكثير من الدول بسبب الأفلام والمسلسلات والمسرحيات التي تربّينا عليها وقرب الثقافة بسبب انتشار الشعب المصري في الدول العربية، فتجد سهولة أكبر وقربا أكثر في التعامل والتفاهم.
- تأسيس الشركات يعتبر سهلا نسبيا وأيضا تحويل الأموال ليس عليه الكثير من العوائق ممّا يسهّل دفع الرواتب وثقة العاملين في حصولهم على رواتبهم في نهاية الشهر في موعده.
- وجود الكثير من الشركات التي بدأت تقدّم خدمة توفير وتوظيف الكفاءات عن بعد وتتنوع فيما بينها في نوع الخدمات، وسبب نجاح تجربتنا الأخيرة كون الشريك يصنّف نفسه (كشريك تقني أو ذراع تقني) بدلا من كونه مقدم خدمة فقط.
تجربتي في الهند (2010)
كانت الهند أكثر دولة توفر خيارات كثيرة لخدمات التوظيف والتطوير عن بعد؛ كونها ربما من أوائل الدول التي انتشرت فيها فروع عملاقة لشركات التقنية خارج أمريكا، وأذكر أوائل التجارب كانت بسفر أحد الشركاء وتأسيس مكتب صغير وبعدها استخدمنا خدمات أونلاين عن طريق مواقع للـ (Freelancer). في الغالب هناك التزام في حال استطعت أن تضبط الفريق للعمل معك فقط حيث إنّ هناك طلبا كبيرا يشتت الشركات التي تقوم بتقديم هذا العمل وتجعلها تأخذ أكثر من طاقتها وبالتالي يكون هناك تقصير في الوقت أو الجودة، أما بشكل عام فأعتقد بأنّ الجودة لم تكن بالشكل المطلوب كون الاعتماد هناك يمكن أن يكون على الكم وليس الجودة؛ وأيضا وجود شركات عالمية كثيرة يسبب تجفيفا للطاقات الماهرة جدا والباقي في السوق ربما يكون أقل من المتوسط.
تجربتي في فلسطين (2012)
ربما أكبر فترة استمرت في التوظيف عن بعد كانت في فلسطين حتى وصل عدد الفريق لرقم كبير حيث كانت تتميز بتوفر مهارات عالية وتكلفة لا أستطيع أن أصفها بأنها رخيصة مقارنة بالدول التي كانت توفر الخدمات نفسها (مصر مثلا) بل كانت أعلاهم تكلفة، وربما كانت الشركة المقدمة للخدمة (عمل بلا حدود) شريكا في إنجاح التجربة حيث إنّها كانت وما زالت تتعامل مع عشرات الشركات ذات الأسماء الكبيرة في المنطقة في توفير الخدمة نفسها لهم حتى الآن. عن نفسي توقفت بسبب تغيّر الثقافة بمرور الوقت لدى الموظفين بسبب زيادة الطلب عليهم، كذلك الحال عدم الاستقرار للكثير من الموظفين بسبب ما يحدث هناك وكذلك تأخّر الحوالات البنكية أحيانا بسبب القيود الموضوعة مما كان يسبب حرجا لنا مع الموظفين ويساعد في عدم شعورهم بالأمان الوظيفي.
تجربتي في الأردن (عدة مرات)
الكثير من الشركات العربية بدأت مقر مطبخها البرمجي (Back Office) في الأردن وما زالت حتى الآن، ومن تجاربي يوجد شحّ كبير حاليا في توفر طاقات احترافية بأسعار منافسة وأعيد للتأكيد توجد طاقات ولكن بأسعار مرتفعة مما سببت ندرة في توفر الطاقات؛ وأعتقد أنّ نجاح التجربة في أغلبيته كان بسبب أنّ الشركات نفسها تقوم بتأسيس فروع لها في الأردن وتقوم بالتوظيف مباشرة تحتها مما ساعد في إنجاح التجربة وزيادة الأمان الوظيفي لدى موظفيها، وأيضا سهولة تنقل مواطنيها بين الدول الموظفة ساعد كثيرا في إنجاح التجربة. كملاحظة عامة وربما لفترة طويلة كانت الطاقات في الأردن تتبنى تقنيات تطوير محددة اشتهرت بها مثل (.NET) وهذا أحد الأسباب التي دعتنا للبحث عن دول أخرى ومخالفة الترند في ذلك الوقت.
تجربتي في تركيا (2019)
يوجد الكثير من الشركات العالمية وبعض الشركات العربية العملاقة التي لديها مكاتب تطوير في تركيا؛ عن تجربتي أردت أن أتفادى الكثير من الأخطاء في تجاربي السابقة وأن أركز على الخبرات المكتسبة فقمت بتأسيس مقر رسمي بكيان قانوني وقمت بالتوظيف فيه وكنت أستخدم بعض الاستراتيجيات لاستقطاب الكفاءات:
- تجهيز المكتب ليكون بشكل مقر شركة تقنية على غرار سيلكون فالي (الصورة المستخدمة في المقال هي من المكتب).
- القيام بعمل مقابلة وظيفية لأيّ شخص قدّم سيرته الذاتية مهما كانت خبراته أو مؤهلاته وهذا أرهقني، فقد كنت أقوم بعمل مقابلة وظيفية لأكثر من (30) شخص يوميا وربما أكثر حتى إنّني لم أعد أقوم بالعدّ وهذه الاستراتيجية كان هدفها بضعة أمور:
- التعرف على الطاقات والثقافة المحلية والبدء في بناء شبكة علاقات وفعلا كانت مفيدة جدا.
- تسويق شركتنا حيث إنّ مَن ستقابله وينبهر بالمكان وعن رؤيتك سوف يتحدث عنك فتكون هناك فرصة لمزيد من الطاقات وهذا ما حدث فعلا؛ إذ إنّ هناك جامعتين عرضتا أن نقوم بعمل شراكة معها من أجل تدريب طلابها ببرنامج منتهٍ بالتوظيف.
- معاهدة نفسي على إفادة أي شخص أقوم بمقابلته على الأقل بنصيحة واحدة فأكون ذا أثر فعال ومفيد في المجتمع الرقمي هناك وهذا من شأنه إفادة الجميع.
- لديّ قناعة بأنّ هناك جواهر مخفية ضمن الأعماق، فهناك طاقات بشرية لا تعرف هي نفسها بأنّها مميزة لذا لن تستطيع أن تسوّق لنفسها في السيرة الذاتية ويتطلب منك العمل عليها قليلا لتكون الأفضل.
كتقييم عام للتجربة التي استمرت تقريبا ثلاث سنوات وما زالت مستمرة جزئيا لا أعتقد أنها كانت ناجحة جدا لعوامل ثقافية وقوانين ضريبية وأيضا طبيعة العمل التي تتطلب إدارة عالية للعمل على أكثر من منتج كمطبخ تقني، وأخيرا بعض التقلبات السياسية التي قد تؤثر في الاستقرار.
تجربتي في بولندا (2021)
في فترة كورونا زاد الطلب على الكفاءات مما تطلب أن نبحث خارج العالم العربي عن المزيد من الطاقات وكانت بولندا خيارا يتمّ دفعنا إليه من قبل شركائنا حسب تجارب سمعوها من شركات أخرى عن جودة مخرجات الموظفين البلولنديين والتزامهم في العمل، وقد قمت بعمل مقابلات كثيرة وكانت القناعة بأنّ الخبرات التقنية لم تكن استثنائية بل كانت ربما أقل من عادية ولكن كانت لديهم تجارب سابقة في العمل عن بعد ومهارة في استخدام الأدوات التي تنظم ذلك؛ وأما عن التكلفة فكانت على أقل تقدير ضعف أو ضعفي نفس الطاقات في العالم العربي. التجربة لم تستمر لأكثر من شهرين قمنا بعدها بإيقاف العمل واستبدلناها ببرامج لتدريب موظفين في مصر ليكتسبوا هذه المهارات وكانت التكلفة أقل.
تجربتي في إندونيسيا (2021)
في الفترة نفسها التي قمنا فيها بالتوظيف في بولندا قمنا كذلك بالبحث في إندونيسيا والفلبين ووجدنا ما هو مناسب في إندونيسيا كمجتمع كبير للتقنية التي نعمل فيها، هذه المرة ما دفعني للبحث في إندونيسيا هو تقارب التكلفة مع العالم العربي وربما أقل ولكن أيضا لقناعتي بعدم ترك كل بيضي في سلة واحدة (في بلد واحد) وأيضا تنوّع الطاقات قد يزيد من تحفيز الموظفين بأنّ هناك تنوعا وثقافة دولية. هذه التجربة لم تستمر لأكثر من بضعة شهور بسبب عوائق اللغة والتواصل (بسبب اللهجات الإنجليزية) بين الفرق التقنية في العالم العربي والإندونيسي فأوقفنا التجربة وقمنا بإضافة بعض الـ (policies) التي تقلّل من مخاطر ترك كل بيضك في سلة واحدة، مثلا وجود بديل أول وبديل ثانٍ لكلّ موظف أو فريق، توثيق وكتابة الإجراءات، الالتزام وتوحيد أطر العمل والتقنيات وكذا طريقة البناء.