هناك كثير من اللُّبس لدى الناس إذ يخلطون بين التسويق والترويج، حتى إنّ عملية البيع يعتبرها البعض تسويقا، وعليه فإنّ الكثير من الأعمال تفشل بسبب هذا اللُّبس البسيط. ببساطة بما أنّ التسويق والترويج هما نفس الشيء لدى هؤلاء الناس فلا يقومون بإعطاء كل عملية حقّها أو يقومون بتحميل عملية أكثر من اللازم، ومن ثمّ يأتي الفشل الذي سببه قلّة المبيعات والذي يُتَرجَمُ إلى قلّة الدّخل ممّا يعني عدم إمكانية الاستمرار. لذا فإنّ الإحصائية التي دائما ما أسمعها من الكُتّاب والمحاضرين في مجال الأعمال بأنّ 9 من أصل 10 أعمال تغلق أبوابها أو تفشل خلال الخمس السنوات الأولى من عمرها و 4 من أصل 5 لا يتعدى السنة الأولى ولعلّي عاصرت هذه الإحصائية، فكثير من الأصدقاء حاولوا وما زالوا يحاولون فتح مشاريعهم الخاصة الصغيرة، وبعد فترة تجد الكلمة الشهيرة (للتقبيل لعدم التفرغ) مع العلم أنّهم في الأصل لم يتفرّغوا للمشروع واعتمدوا على شخص آخر لإدارته : ) وهذا أحد الأخطاء القاتلة للمشروع ولكن لا مجال له في مقالتنا اليوم.
لن أتحدّث عن كلّ الأخطاء في مقالتي هذه، ولكنّي سأتحدّث عن التسويق والترويج لأوضّح الفرق بينهما لأنّهما أكثر ما يؤثّر على نجاح العمل أو استمراره، ولعلّي أطلب منك عزيزي القارئ أن تقوم بعمل تجربة عملية بسيطة لكي تبدأ الصورة بالاتضاح لديك بشكل أكبر.
اذهب وأحضر الصحيفة اليومية -هل ما زلتَ متابعا للقراءة اذهب الآن وأحضرها : )- وابدأ في استعراض الإعلانات خصوصا تلك التي تروّج -لاحظ ترويج- لمنتج أو خدمة معينة سواءً كانت فكرته جديدة أو حتى لو كانت خدمة أو منتجا قديما ومعروفا واختر عشرة إعلانات وقم بمحاولة الاتصال بهم هاتفيا ثمّ راسلهم عبر البريد الإلكتروني إن كان هناك بريد إلكتروني، وإذا أردت أن تبحر أكثر فحاول إرسال فاكس إذا وجدتَ رقم الفاكس الخاص بهذه الجهة، المهمّ هنا أن تحاول الاتصال بهذه الشركة بكلّ الطرق التي وفّرَتْها للاتصال بها وبعد ذلك سوف تلاحظ التالي:
الملاحظة الأولى: التي ستلاحظها ربما (80%) من اتصالاتك لن يُرَدّ عليها أو قد تجد بأنّ خط الهاتف مشغول، أو لا يوجد ردّ على بريدك الإلكتروني أو أنّ البريد ممتلئ، أو أنّ الفاكس مشغول وحتى لو تمّ استلام الفاكس فإنّ النتيجة هي بلا ردّ.
الآن، قد تكون مِمَّن وُفِّقوا في الاتصال بهم وأجابوك، حاول أن تتعرّف منهم على المنتج واسأل عنه، وعن سعره وبياناته، وكيفية توصيله وما إلى ذلك من أسئلة قد تدور في خلد أيّ عميل يودّ الحصول على هذا المنتج أو الخدمة.
الملاحظة الثانية: ربما لم يردّ عليك الشخص المناسب - سكرتير مثلا - ولعلّه لا يعرف أين يقوم بتوجيه مكالمتك أو مَن يسأل أو لمن يحوّل المكالمة، فإن وصلت إلى هذا الشخص فهل أجاب على كلّ أسئلتك؟ وكيف كانت طريقته في الإجابة؟ هل هي وافية؟ أم وجدت أنّه يحاول التهرّب منك لينهي المكالمة؟
الملاحظة الثالثة: ما مدى معرفة هذا الشخص بالمنتج أو الخدمة التي يقدّمها والتي من المفروض أن يعرف عنه أو عنها كلّ شيء؟ بل من الواجب أن يكون مستعدا ليردّ على كل استفساراتك، ولكي تعرف ذلك اسأل أسئلة دقيقة، مثلا رقم الموديل أو اسأل عن بعض المواصفات والتفاصيل الدقيقة.
الملاحظة الرابعة: كيف انتهت المكالمة؟ هل ترك لديك انطباعا جيدا؟ هل أخذ منك معلومات ليحاول الاتصال بك لاحقا؟ أم هل دلّك على طريقة يمكنك أن تحصل بها على المزيد من المعلومات؟ وفي كلّ الأحوال هل كانت عملية الاتصال كافية للردّ على استفساراتك؟ والأهم هل هو كبائع حصل على النتيجة الأساسية وهي بتحويل هذه المكالمة إلى فرصة بيع؟
دعني أطرح عليك السيناريو الذي يحصل ويتكرّر دائما (قامت الشركة المتّحدة بتوظيف سعيد ليتولى منصب مدير تسويق في الشركة، وبما أنّ سعيدا عارف بأمور التسويق وقد يكون قد قرأ كثيرا عن أهمية الإعلان، فإنّ أول ما سيقوم به هو إعداد خطة إعلانية - ترويج - للمنتج أو الخدمة والتي عادةً ما تكون أسهل مراحل التسويق، فكلّ ما هنالك أن تعدّ صيغة إعلانية وشعارا للشركة وبيانات الاتصال وربما بضع كلمات تحفيزية تحفّز الناس على الشراء ومن ثمّ يقوم بإيصال الإعلان بأيّ طريقة ولعلّ أشهرها عبر الصحف اليومية أو عبر الإنترنت).
وهنا بعد طرح الإعلان تنهمر الاتصالات والطلبات، ويعتقد سعيد بأنّه أنجز المهمّة بما أنّ نتيجة الإعلان قد أثمرت فهناك اتصالات كثيرة قد وردت، وبالتالي فإنّ مدير سعيد سيرى النتيجة ويعجب بسعيد. ولكن بعد فترة تكتشف الشركة بأنّ هذا لم يترجم إلى مبيعات أو لا يوجد دخل كافٍ مقارنةً بالاتصالات وتبحث عن السبب فتعتقد في البداية بأنّ الناس لم تحبّ المنتج أو الخدمة، وربما قامت هذه الشركة بالبحث عن منتج أو خدمة أخرى للعمل عليها، أو ربما قدّمت عروضا وتخفيضات وخدمات إضافية مجانية مصاحبة لإغراء الناس من أجل الشراء، وربما زادت المبيعات ولكن الدّخل ما زال محدودا فتكلفة المنتج أو الخدمة أصبحت مرتفعة بسبب التخفيضات والخدمات المصاحبة والتي قلّلت بالتالي من هامش الربح.
عزيزي القارئ، هل اكتشفت أين المشكلة؟
فاصل ونواصل في تحليل المشكلة والسبب، وما هي الحلول في الجزء الثاني من هذه المقالة فانتظروني هناك.