في الجزء الأول من هذه المقالة – التسويق والترويج – كنتُ قد طلبتُ من القرّاء أن يقوموا بعمل تجربة عملية لكي يكتشفوا المشكلة، وربما مع التركيز على الملاحظات يمكن الوصول إلى الحلّ، ولقد أتت تعليقات الزوار وتفاعلهم مع الموضوع بشكل إيجابي حيث تبيّن لي أنّ الأغلبية قد توصّلت إلى المشكلة فعلاً.
الترويج والتسويق والبيع كلّها عبارة عن مراحل تُجمَع تحت كلمة (تسويق) والمشكلة هي في فهم البعض على أنّها مرحلة واحدة أو اقتصارها على (الإعلان)؛ حيث إنّي لاحظت ذلك الفرق جليّاً عندما حكى لي أحد أصدقائي بأنّه قرأ في أحد الكتب – لم أعد أذكر ما هو الكتاب – بأنّ الكاتب عندما سأل أحد أصحاب الأعمال الأغنياء فيما لو أُعطِيَ مبلغ (مليون دولار) فماذا سيفعل به؟ فكان ردّه بأنّه سيبني عملا جديدا بمبلغ (200) ألف ويقوم بصرف الباقي (800) آلاف على (التسويق). وقد فهم صاحبي من ذلك بأنّه سيصرف مبلغ (800) ألف على الإعلان والدليل أنّ شركات مثل (بيبسي) و(كوكا كولا) تدفع الملايين على الإعلانات وذلك بجلب أكبر النجوم للتمثيل في إعلاناتهم.
طبعا هناك فرق، فشركة مثل (بيبسي) لا تقوم بالإعلان من أجل الترويج للمنتج فهو منذ عرفناه لا يتغيّر والكلّ يعرفه ونراه في كل مكان، ولكن الهدف من هذه الحملات هو (تثبيت) العلامة التجارية في الأذهان ممّا يُكسِب الشركة ولاءَ الزبائن، لذا فإنّ تكلفة هذه الإعلانات تكون أكبر ولا بدّ أن تكون مستمرّة وتختلف عن غيرها.
بالعودة إلى موضوعنا، عندما نقوم بالترويج للمنتج أو الخدمة التي نقدمها عبر الحملات الإعلانية أينما كانت فإنّنا نخبر الزبائن بأنّ هناك هذه (الخدمة أو المنتج) ويمكننا أن (نقدّمها أو نقدّمه) لك وربما وضعنا بعض الكلمات، مثلا في حال كان هناك منافسون بأنّنا نقدّم الأفضل أو الأرخص أو أنّ هناك قيمة مضافة في حال اشترى عن طريق الشركة صاحبة الإعلان. أمّا في حال كان هذا المنتج جديدا فلا بدّ من تثقيف الزبائن بما يستطيعون أن يستفيدوا من هذا المنتج ليخلق لديهم حاجةً تحرّكهم للحصول عليه، وتختلف الطريقة باختلاف نوعية المنتج أو الخدمة وباختلاف الشريحة المستهدفة وكذلك ثقافة الجمهور وغيرها من الأمور، وليس الهدف من مقالتي الحديث عن فنون الإعلان والترويج ولكن هدفي هو ما بعد ذلك.
كثيرة هي الإعلانات التي تشدّني وخصوصا تلك التي هي عبارة عن منتجات كمالية ولست بحاجتها، ولكن بمجرّد رؤيتي لها في الإعلان أو الكلمات المصاحبة فإنّ ذلك يخلق لديّ حاجة لحظية بأنّي فعلاً بحاجة إليها، لذا تجدني أقوم مباشرة بالاتصال عبر طرق الاتصال المتوفّرة في الإعلان وذلك للحصول على المنتج ولكنّي أفاجأ بانشغال الخطوط أو عدم الحصول على إجابة كافية وغيرها من الأمور التي تلغي مباشرة لديّ هذه الحاجة أو تقلّل منها ومع الوقت تختفي.
وخير مثال عندما تصلني (نشرة ساكو) وهو عبارة عن محل يبيع المعدات والأجهزة الكهربائية والكثير من الأشياء التي هي في الغالب عبارة عن إكسسوارات، فتراني أرى أشياء جديدة وغريبة وأفكّر مباشرة في شرائها وخصوصا إن كان سعرها المعروض مناسبا لي، ولكن إن لم أذهب في نفس اليوم إلى المحلّ وهذا من النادر حصوله بسبب بُعد المسافة فإنّي أضمر في نفسي بأنّي سوف أقوم بشراء المنتج حال زيارتي التالية، ولكن في الزيارة التالية تكون هذه الحاجة الداخلية قد اختفت أو قلّت الحماسة فلا أشتري هذا المنتج.
قبل فترة قمت بالتوصّل لموقع يقوم ببيع مجسّمات صغيرة لشخصية (أندرويد)، وعند زيارتي للموقع أعجبتني النماذج الأخرى التي يعرضها والتي تمثّل شخصيات إضافية لشخصية أندرويد وزاد شغفي بها وقرّرت الحصول على المجموعة الكاملة (10 شخصيات) بدلا من واحدة، ولكني تفاجأت بنفاد المخزون في ذلك اليوم، ولقد وضع صاحب الموقع رسالة مفادها بأنّه سيوفّر المزيد خلال أيام، ومرّت الأيام والأسابيع وحتى الآن لم يقم بتوفير مخزون جديد، لذا فإنّ حماستي قلّت وأصبحتُ أفكّر بالحصول فقط على واحدة بدلا من المجموعة كاملة ولعلّي بعد أسبوع آخر من الآن لن أعاود زيارة الموقع ولن يهمّني الحصول على أيّ منها.
إذاً فإنّ عدم الاستعداد لعملية التسويق بعد الترويج هو من أكثر أسباب فشل المشاريع، فلا تعتقد أنّ واجبك انتهى بوضع إعلان وبعد ذلك لا تعرف كيف تتصرّف عندما يتصل بك الزبائن. فإن كان الترويج هو الطُّعم لجرّ الزبائن فلا بدّ أن يكون لديك بطن كبير لاستيعاب هذا الصيد الثمين، فيمكنك مثلا التعاقد مع شركة لمدّة مؤقتة لتقوم بتوفير عمليات الردّ على المتصلين وتثقيف موظّفي الاستقبال والردّ على الأسئلة المتوقعة، والأهم من ذلك الاحتفاظ ببيانات الاتصال لكي تتواصل مع العملاء لاحقا وإبقائهم حولك. ولعلّ أفضل طريقة لتنظيم ذلك هي استخدام ما يسمى بالـ (Call Center) وتطبيقات (CRM) (Customers Relation Management) التي تسهّل العمل على موظفي الاستقبال وقد تساعدهم بتوفير أجوبة عن طريق (Knowledge Base) مثلا.
المهم دائما بعد عملية الترويج أن تكون مستعدا للزبائن، وبعد ذلك لمتابعتهم، ومن ثمّ إتمام عملية البيع، وأخيرا إبقاء الزبون راضيا عبر خدمات ما بعد البيع ليبقى الولاء، وبالتالي جلب المزيد من الزبائن عن طريقه وذلك بمدح هؤلاء الزبائن لخدماتك والتعبير عن مدى رضاهم أمام أصدقائهم. ولا تنسَ أنّ البيع لزبائن حاليين أسهل وأقلّ تكلفة من استقطاب زبائن جدد فيجب أن تحافظ عليهم.
ودمتم مسوّقين : )