منذ أكثر من عام لا يمضي أسبوع واحد إلا ويصلني تقرير أو فيديو أو إنفوجرافك أو رسالة تتحدث عن وظائف المستقبل وبعضها يكاد يقنعك بأنه قد عاد للتو بواسطة آلة للزمن من المستقبل وأخبرنا ماذا يحدث هناك! والبعض الآخر تجده يحاول إخافتك من المستقبل المظلم والكثير يحاول إقناعك بأن ما تُعلّمه لأبنائك الآن لا فائدة منه!!
أنا مقتنع بأن مخرجات التدريس لا تواكب سوق العمل ولكن هذا ليس سرا في علم الغيب المستقبلي فهو يحدث اليوم، والسبب هو أن القلّة تعلم ما الهدف الرئيسي الذي وُضع له نظام التعليم الحالي والذي كان أساسا لخدمة الثورة الصناعية في وقتها لتخريج العبيد الجدد.
النظام التعليمي الآن أصبح – على أقل تقدير بالنسبة لي – عبارة عن حضانة فقط, ومدتها 12 سنة تحفظ أطفالنا عندما نكون في أعمالنا صباحا وتكلفهم بوظائف وواجبات تشغلهم عنا عندما نعود إلى البيت من أجل الراحة.
هل هذا الحكم عام؟ ليس بالضرورة ومن يعمّم في أي شيء فهو كاذب فالحقائق الثابتة في هذا الكون نادرة جدا وما عدا ذلك فهو قابل للتغيير.
إذا ما هي وظائف المستقبل؟
لا أعلم ماذا ستكون الوظائف بعد ثلاث سنوات من الآن حتى أعلم ماذا يخبئ المستقبل لأطفالي, لكنني أعرف بأنه علينا أن نعلّمهم ونسلّحهم بمهارات من أجل إمكانية تطويعها لما قد يواجهونه، مثلا لغات البرمجة هي ضرورة وأعتبر أن مَن لا يفقهها هو أُمّيٌّ في العصر الحالي أو على أقل تقدير في المستقبل القريب، ولكن السؤال الأدق بسبب تخصصي؛ أيّ لغة من لغات البرمجة؟ الجواب لا أعلم فعلا فالتغير يكون بشكل شهري في هذا العالم الآن ولكن كل لغات البرمجة تحكمها قوانين واحدة وتركيب وتسلسل منطقي، فمن يتعلم لغة واحدة ويتقنها يسهل عليه التنقل لأي لغة جديدة خلال أسبوع أو نحوه.
الروبوت سيأخذ وظائفنا؟
الأتمتة ودخول الروبوتات والمواصلات ذاتية القيادة وغيرها لن تأخذ وظائفنا بل ستريحنا وتترك لنا المجال لعمل أشياء أخرى لم نجد الوقت الكافي للالتفات إليها، بمعنى هل يُعقل حتى الآن لم يجدوا علاجا قطعيا لأمراض السرطان؟ فليتفرغوا لذلك وليتركوا الروبوتات تقوم بأشياء أقل أهمية!
الطباعة ثلاثية الأبعاد؟
هل يعقل أن كل تقرير يتحدث عن ذلك؟ يعني بالله عليكم ما هي وظيفة هذا الشخص تحديدا؟ هل سيقوم بشراء طابعة ثلاثية الأبعاد وبسطها على أرصفة مديرية الجوازات مثلا بدلا عن الكتّابة على الآلة الكاتبة!!
تخيل معي أن يسئلك أحدهم ماهي وظيفتك (طبّاع \ كاتب) !!
ماذا وكيف؟
لا أعلم تحديدا ما هو القادم خلال 12 شهرا ولا يمكن التنبؤ به، ولكن تسليح أطفالنا بالعلوم والمهارات واللغات وطرق التفكير والالتزام وإدارة الوقت واحترامه وترتيب الأولويات والجدّ والاجتهاد والقراءة والبحث هو الأهم برأيي من تعليمهم مجالا محددا والتركيز عليه؛ عندما يتقن أطفالنا الأدوات فإنهم يستطيعون تعلّم وإتقان أي وظيفة ستكون في مستقبلهم.
الزبدة في كلمتين!
هيئوا أطفالكم ليكونوا أبطالا خارقين.