تاريخ المقال طول المقال تتطلب قرائته
587 كلمة 4 دقيقة

خلال الأيام الماضية كان هناك الكثير من الحراك على المستوى العربي حول ريادة الأعمال وشباب الأعمال وأسابيع التقنية والأفكار وغيرها من المحافل التي ستستمر على مدار بضعة شهور قادمة.

وكنت قد كتبت سابقا موضوع (الأفكار الجديدة لا تنجح عادة) وكذلك الحال تجربتي في (ستارت اب ويك اند الرياض)، وأنا بطبعي كرائد أعمال حديث العهد وجدت بأنّ أغلب العمل يتمّ خارج أوقات العمل الرسمي وبعيدا عن الكمبيوتر؛ وذلك يتمّ عبر المؤتمرات والفعاليات التي أزورها وأقابل فيها الكثير من المبدعين ممن أعرف أو ممن أتشرف بالتعرف واللقاء بهم أول مرة.

هناك دائما روح جديدة في تلك الأماكن وهي ربما ظاهرة أحب أن أسميها (شطحات العقل) أو ربما أصفها بشكل أدق (ترك العقل ليفكر)، فدائما نحن مقيّدون بما نقوم بعمله في حياتنا اليومية ومجدولون مسبقا لما سنقوم به أو نقوم فقط بالتفكير كردّ فعل لما يطرأ ولكننا لا نعطي أنفسنا وقتا ليفكر العقل خارج الحدود التي تقيّد حياتنا اليومية بإيقاعها السريع.

في تلك الأماكن يرتاح العقل بعض الشيء لخروجه عن المألوف (الحياة الرتيبة المجدولة سابقا) وتساعد الضوضاء على عدم تمكّن مقاطعتك من قبل الاتصالات الواردة على هاتفك لأنك لا تنتبه إلى الرنين عادة وبهذا يبتعد عقلك عن التفكير بشكل (ردّ فعل) وتبدأ الأفكار بالتسلل من مخابئها التي احتمت فيها خوفا من أن تهاجمها الأفكار الرتيبة وإحباطات الحياة اليومية.

في كل زيارة اجتماعية غير مرتبة وغير متوقعة عادة ألتقي بأناس من نفس تخصصي وأحرص دائما على أن أقحم نفسي مع أناس بعيدين عن تخصصي وعن مجتمعي ودائرة معارفي فهناك تتجرأ الأفكار الجديدة على الخروج فليس هناك من يحكم عليها منذ ولادتها وخصوصا إن كان خبيرا في نفس تخصصك فالبتأكيد سيخيفها فربما لا تتجرأ هذه الفكرة على الخروج أو حتى لو خرجت فإنها تهرب بعيدا خوفا من أن تغتال.

لذا أحببت أن أشارككم قصة نظام (GPS) والذي كان عبر فكرة (شاطحة) لشخص غير متخصص عند أول إطلاق لقمر صناعي (روسي) حيث كان هناك بعض الأشخاص مجتمعين على طاولة الغداء وتمّ الحديث عن هذا الحدث العالمي الأول من نوعه فقام شخص وقال أليس من الجميل أن نسمع هذا القمر الصناعي وبذلك يكون أول اتصال لنا مع الفضاء؟

هذه الفكرة (الشاطحة) لم تمرّ مرور الكرام فهناك شخص متخصص في علم التقاط الإشارة على نفس الطاولة، لذا و بعد تناول تلك الوجبة اجتمع الاثنان معا وبدآ في محاولة التنصت على هذا القمر وقد تمّ ذلك بعد وقت قصير ولاحظوا خلال ذلك بأنّ الإشارة تضعف وتختلف قوتها مع الوقت وقاموا بدراسة ذلك الريتم فتوصلوا بأنّ هذا بسبب دورانه وقربه وابتعاده عن منطقة الالتقاط ومن هنا تطورت (الفكرة) لمحاولة رسم مسار هذا القمر الصناعي حول الأرض وخلال كل هذا الوقت كان هذا المشروع غير رسمي حتى قام أحدهم باستدعاء القائمين على المشروع وسألهم في حال استطاعوا معرفة مسار القمر الصناعي من مكان غير معروف على الأرض فهل يمكن أن يكون العكس؟ أي أن يتمّ معرفة مكان مجهول على الأرض عن طريق القمر الصناعي والذي ولّدت نظام الملاحة العالمي (GPS) الذي أطلق (24) قمرا تابعا للحكومة الأمريكية وذلك لأهداف عسكرية حتى تستطيع الغواصات النووية من تحديد أهداف صواريخها.

حاليا هذا النظام متاح للجميع ولأغراض تجارية بعد أن وفّرته الحكومة الأمريكية للجميع وأصبح بمقدور أيّ شخص معرفة أيّ مكان عن طريق أجهزة وتطبيقات الملاحة بشكل دقيق لدرجة بضعة أمتار في أسوأ الحالات.

هذه قصة من آلاف القصص والتي عن نفسي أحاول أن أحذو حذوها كل يوم، فاجتماعي مع أشخاص مميزين وحديثنا معا يُكمِل حلّ (الأحجية / الألغاز) عبر أفكار (قطع) جديدة تكمل أفكاري لنبدع أفكارا جديدة.

وليس مجرد تكوين للفكرة بل قد تجد أناسا بتخصصات منفصلة وأفكار تساعدك في إتمام فكرتك ومساعدتها في الخروج إلى النور ويأتي بعد ذلك التنفيذ والذي هو العبرة النهائية فكما قيل أنّ العبقرية (1%) و (99%) هي جهد وتعب وتنفيذ.

و في النهاية لا ننسى أنّ من أساسيات التفكير الإبداعي التفكير خارج المألوف.

دمتم مبدعين