تصلني عشرات الرسائل والاتصالات أسبوعيا من كل مكان حول العالم من شباب متحمس لديه أفكار رائعة أو يعتقد بأنّها كذلك، ويعرض عليّ أن يشاركني هذه الفكرة لكي أقوم بتطويرها ويكون هو صاحب الفكرة، والبعض ربما بدافع الكرم أو ربما بحسن نية يقوم بعرض الفكرة بشكل مبسط أو مفصل ضمن رسالته. لذا سيكون موضوعي أولا عن الأفكار في حدّ ذاتها، وثانيا عن فلسفتها ومدى جدواها وطرق العمل بها.
بداية، أودّ أن أشكر كلّ من يثق بي ويرسل لي فكرته ولكني دائما أعتذر بردّين :
هل الأفكار مهمة؟
- في حال كانت الرسالة مجرّدة من الفكرة، فإنّ ردّي يكون بالاعتذار مباشرة لأنني مشغول وأدعو الله له بالتوفيق وأنصحه بأن يجربها وينجزها بنفسه.
- أما في حال كانت الرسالة تحتوي على الفكرة بشكل مبسّط أو مفصّل، فإنّي أردّ على صاحبها بأنّها موجودة مسبقا وهو فعلا ما يحدث؛ حيث إنّي أكاد أجزم بأنّ (99.99%) من الأفكار قد نُفِّذَت أو موجودة مسبقا وأدلّ صاحب الفكرة على مكان الفكرة الموجودة وأنصحه بأن لا يقوم بكشف فكرته لأيّ شخص خصوصا لي مرة أخرى لأنه في الغالب إما هذه الأفكار موجودة كما ذكرت سابقا أو ربما أنّها مشاريع أقوم بها حاليا لذا فإنّ كشفها قد يسبب سوءاً في التفكير بي في حال نفّذتُ الفكرة في يوم من الأيام.
- بأن يتأكّد من عدم تواجد الفكرة في العالم سابقا، وفي حال كانت متواجدة فعلا ويودّ الاستمرار فعليه أن يفكّر في القيمة المضافة التي سيضيفها عليها.
- بأن لا يكشف فكرته لأيّ شخص مهما كان ويحتفظ بالفكرة لنفسه حتى يضعها في شكل قانوني ليحفظ حقوقه.
- بأن يحاول تنفيذ فكرته بمجهوداته الشخصية حتى وإن كانت بحاجة إلى مهارات خاصة، مثلا تقنية كالبرمجة وكان هو لا يفقه شيئا في هذا العالم فعليه أن يتعلم حول الفكرة.
- بأن يقوم ببناء الفكرة بشكل احترافي على ورق وبشكل مفصّل وبأفكار مرتبة ونماذج تخيلية، حتى في حال توفرت له الفرصة بتنفيذها يكون جاهزا.
- وأخيرا الأفكار على قارعة الطريق - أي أنّها متوفرة وموجودة في كل مكان - ولكن العبرة في التنفيذ، وفي حال لم تقم بكتابة فكرتك والتعب عليها فإنها لا تساوي شيئا على الإطلاق.
هل الأفكار مهمة؟
لا شك بأنّ الأفكار مهمة، فأنا أؤمن بأنّ الإبداع هو أساس النجاح وهو ما يميّز شركة مثل شركة (أبل) عن غيرها من الشركات ولكن ليست الفكرة هي الأساس بل إبداع الفكرة بتنفيذها وهو الأهم؛ فلو عدنا لأكبر مثال وهو محرك البحث (جوجل) فعندما عرض صاحبا الفكرةِ الفكرةَ على شركة (ياهوو) ربما سخرت منهما مع أنّ شركة (ياهوو) في المجال نفسه وتعلم جيدا مدى الفائدة ولكن الفكرة في حدّ ذاتها ليست الأساس وإنّما تنفيذها هو ما ميّز شركة (جوجل).
التنفيذ هو الأساس
الكثير من الشباب في السابق كان يشتكي بأنّ مديره في العمل أو المستثمرين أو غيرهم لا يلتفتون إلى الشباب ولا لأفكارهم الإبداعية وأنها تحققت فيما بعد في العالم الغربي ودرّت الملايين على أصحابها. وللرد على ذلك أقول بأنّ مديرك أو المستثمر أو حتى أقرب المقربين لك لا يثقون بأيّ شيء تقوله لسببين:
- الأول هو أنّك لم تبدِ الاهتمام والشغف اللازمين حول فكرتك والتي تتطلب العمل والتجهيز والإعداد الكبير.
- والثاني هو أنّهم لم يقوموا بفهم ما تتحدث عنه، لذا كان لزاما عليك أن تقوم ببناء الفكرة والاعتماد على نفسك في تنفيذها منذ البداية لتكون أوضح للجميع وهذا يعيدنا إلى السبب الأول.
الكثير من الشباب في السابق كان يشتكي بأنّ مديره في العمل أو المستثمرين أو غيرهم لا يلتفتون إلى الشباب ولا لأفكارهم الإبداعية وأنها تحققت فيما بعد في العالم الغربي ودرّت الملايين على أصحابها. وللرد على ذلك أقول بأنّ مديرك أو المستثمر أو حتى أقرب المقربين لك لا يثقون بأيّ شيء تقوله لسببين:
- الأول هو أنّك لم تبدِ الاهتمام والشغف اللازمين حول فكرتك والتي تتطلب العمل والتجهيز والإعداد الكبير.
- والثاني هو أنّهم لم يقوموا بفهم ما تتحدث عنه، لذا كان لزاما عليك أن تقوم ببناء الفكرة والاعتماد على نفسك في تنفيذها منذ البداية لتكون أوضح للجميع وهذا يعيدنا إلى السبب الأول.
كيف تنفذ؟
قال توماس أديسون أنّ العبقرية هي (1%) ذكاء وهي الإبداع أو الفكرة و(99%) عمل، لذا فإنّ فكرتك مهما كانت فهي لا تساوي على أغلب تقدير (1%) هذا إن وَجدت من يتبنّاها أو ينفّذها أو يدعمها. والسؤال هنا هل أنت راضٍ بأن تحتفظ بهذه النسبة؟ إذن لِمَ لا تزيد هذه النسبة وتقوم بالتنفيذ حتى لو كان التنفيذ على الورق وبذلك ترفع من هذه النسبة.
الأفكار الجديدة كليا لا تنجح
نعم، الكثير يتفق معي في ذلك بل وأثبتت التجارب أنّ الأفكار الجديدة كليا لا تنجح والسبب الأول هو عدم مناسبتها (زمانيا)، فلو افترضنا أنّ هناك من قام باختراع (كاميرا الويب) قبل وجود الإنترنت فما مدى نجاحها؟، والسبب الآخر لعدم نجاح الأفكار ربما عدم معرفة الناس بحاجتهم إليها؛ فلو اقتصر (أديسون) على الكهرباء ولم يقم باختراع (المصباح) والأجهزة الكهربائية الأخرى التي تستفيد منها فلم يكن للكهرباء أيّ فائدة. إذن تثقيف الجمهور وبيان الحاجة لاختراعك هي الأساس في نجاح الفكرة وربما كانت هذه الحاجة مرتبطة بالمكان والزمان، فربما لا تنجح الفكرة الآن لعدم وجود حاجة إليها ولكن قد تنجح لاحقا بسبب وجود الحاجة إليها في ذلك الوقت.
الحاجة أمّ الاختراع
هذا هو أساس الابتكار الحاجة، فعندما تكون لك حاجة ماسّة ولم تجد ما يسدّها فالفكرة هنا ستكون ذات قيمة فعلية؛ فأغلب الأفكار الناجحة هي تلك التي قام أصحابها بابتكارها لحلّ مشكلة خاصة لديهم وصدف فيما بعد أنّها أيضا تحلّ مشاكل موجودة لدى الناس ولهذا نجحت. أذكر منذ بضعة أشهر وتحديدا في فصل الشتاء أصابتنا في العائلة أمراض البرد والتي كانت تدور في حلقة فتنتقل من فرد إلى آخر، وما أن يخفّ مصاب أحدهم حتى يعود ويصاب بالعدوى من الآخر، وهذا جعلنا نستهلك الكثير من الأدوية التي كانت لكل شخص بوصفة مختلفة بسبب عمره وحاجته، فهناك رضيعة وأمّ مرضع وطفل وراشد وكلّ واحد منا له أدوية خاصة بأوقات ومعايير مختلفة مما سبب بعض اللبس في بعض الأحيان، وكنت قد وجدت حلا جزئيا لدى الصيدليات عبارة عن حافظة بلاستيكية لحبوب الدواء لكل يوم بجيب إغلاق خاص، ولكن هذا لا ينفع للأدوية السائلة؛ لذا فكّرت في الاعتماد على المفكرة والتنبيهات في الجوال كالعادة ولكنها لم تلبّي الحاجة ففكرت في بناء تطبيق موبايل لهاتفي النقال وعندما بحثت عن الفكرة وجدت تطبيقا متواجدا يؤدي نفس الوظيفة بل وبخيارات أفضل ولهذا لم أقم ببناء التطبيق واكتفيت بالحصول عليه مع أنني لم استخدمه لانتهاء موسم الأمراض ولكن هناك من فكر بنفس الفكرة ونفذها وسدّ حاجتي فلِمَ أقوم ببناء التطبيق من جديد؟. كذلك الحال، صادف أنّه بعدها بأسبوع أو اثنين راسلني شخص ما على بريدي عارضا نفس فكرة التطبيق :) وبالتأكيد أخبرته بأنّه موجود مسبقا، وربما يفكّر بالقيمة المضافة التي سيضيفها، مثلا هل اللغة العربية ذات فائدة كبيرة؟ فكّر أنت بذلك :)
دمتم مبدعين