قد يكون عنوان المقال مبهماً بعض الشيء لمن لا يعرف العلاقة بين الاثنين، لذا فإنّني أودّ أن أوضّح العلاقة بينهما وفي الوقت نفسه يتبيّن المغزى من الموضوع الذي أعتقد بأنّه سيكون على عدّة أجزاء ليكون خفيفا ولطيفا وفي ذات الوقت مفيدا وممتعا. إذاً تابعوا معي أعزائي.
في البداية، دعونا نتعرّف على الشيخ محمد الغزالي، وُلِد الشيخ محمد الغزالي في العام (1917) ميلادية بمصر، وتوفّي -رحمه الله تعالى- في العام (1996) ميلادية في السعودية، ودُفن في مقبرة البقيع في المدينة المنورة مع صحابة النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم بناءً على أمنيته التي داوم على ذكرها فكتب الله له هذا التشريف. وقد ترك لنا -رحمه الله- قرابة (34) مؤلَّفا من بينها كتاب (جدّد حياتك) وهو الذي سوف تدور حوله هذه السلسلة، ولمن يودّ التعرّف أكثر على الشيخ ومؤلّفاته يمكنه زيارة موقعه على الإنترنت (http://www.alghazaly.org).
لنتعرّف الآن على (ديل كارنيجي) أو كما يسمّيه البعض (أبو علوم التنمية الذاتية) في التدريب الجديد، وهو كاتب ومحاضر ومؤسّس لمنظمة (كارنيجي للتدريب) وُلد في العام (1888) ميلادية وتوفّي في العام (1955) ميلادية. وأكثر ما شَهَرَهُ هو الكتاب الأكثر مبيعا حتى الآن وهو (دعِ القلق وابدأ الحياة)، ومع أنّه خلال حياته تزوّج وطلّق مرتين وقد شيع فيما مضى بأنّه مات منتحرا إلا أنّ شركة (كارنيجي) تحاول طمس ذلك وتصرّ على أنّه مات بالسرطان أو مرض ما، وذلك لأنّ (ديل) كان أكثر من تكلّم عن السعادة وكسب الصداقات والعلاقات الإنسانية وبذلك من المفروض أن يكون أسعد الناس، ويجب أن يكون أكثر الناس علاقة جيدة مع الآخرين مع أنّه مات وحيدا في بيت ريفي، وكما يقال بأنّه قد قفز من النافذة مع أنّ هذه المعلومة يصعب عليّ إثباتها ولكنّي شخصيا مقتنع بها داخليا. لذا فإنّ إثبات موته منتحرا لعلّه يقلّل من مصداقية الشركة وتوجّهها في التدريب، وليس هذا موضوع حديثنا إلا أنّه وجب ذكره لنكون على علم بالخلفية التي بُنِيَت عليها مقالتي هذه.
بالعودة إلى كتاب الشيخ محمد الغزالي-رحمه الله- (جدّد حياتك) فإنّ سبب كتابته له هو أنّ الشيخ الغزالي قام بقراءة كتاب (ديل كارنيجي) الأكثر مبيعا في ذلك الوقت (دع القلق وابدأ الحياة)، وتعجّب من المعاني والأفكار التي هي به والتي تعود أصلاً لديننا وما أمرنا به رسولنا الكريم، بل هي من أخلاق نبينا وهُنا مربط الفرس؛ إذ إنّ ديل كارنيجي كان يقوم بتعليم ذلك على سبيل الحيل والمهارات للحصول على المكاسب وليس لتكون من الأخلاق والطّباع المتأصّلة بنا وهو ما يأمر به ديننا الحنيف. لذا قام الشيخ الغزالي بتأليف كتابه (جدّد حياتك) ليكون هو التأصيل الصحيح لما يأمر به ديننا من تعاليم لكسب حبّ الناس وسرّ السعادة في الدنيا والآخرة بإذنه تعالى.
وفي السياق، فقد ذكر الدكتور طارق السويدان في أحد أشرطته الصوتية – لم أعد أذكر ما هي- بأنّ الغرب يتمحور حول طريقة (فوز فوز) وهي أن يكون كلا الطرفين فائزا في أيّ تعامل بينهما، وبذلك تجد المدير الغربي يبتسم في وجهك ويربّت على كتفك ويشجعك فقط لكي يحصل على ما يريده منك وبعد ذلك قد يتجاهلك تماما، أمّا ديننا الإسلامي فهو يأمرننا بأن تكون العلاقة (فوز فوز للجميع) أي لا تقتصر على أن يكون كلا الطرفين فائزا في هذه العلاقة، بل أن لا يكون هناك أيّ طرف ثالث أو خارجي قد يتأثّر بهذه العلاقة من جهة (فلا ضرر ولا ضرار)، وكذلك الحال لا بدّ أن تكون هذه العلاقة الجميلة التي نقوم بها هي من أخلاقنا المتأصّلة وليست تمثيلا كما يدّعي الغرب. وعليه نجد أنّه في عدة مناسبات ذكر فيها الدكتور طارق السويدان مساوئ (ديل كارنيجي) لأنّه يأمرننا بالتمثيل، وخير دليل على أنّ كلامه خاطئ هو أنّه قام بالطلاق مرتين وهذه المعلومة المؤكّدة، أمّا عن المعلومة غير المؤكدة فهي موته منتحرا، لذا فإنّ تعاليمه لم تفده شخصيا.
قمتُ مؤخرا بقراءة كتاب (Leadership Mastery) لـِ (ديل كارنيجي) ومنذ فترة بسيطة حضرت دورة إعداد مدرّبين معتمدين لمؤسسة (ديل كارنيجي)، وكان حضوري كضيف للتفاعل مع المدرّبين لتطبيق تعاليمه ودوراته في السعودية. وفي الوقت نفسه قمت بالتعرّف على المبادئ (الثلاثين) والتي قسّمها إلى ثلاثة أقسام لكي تكون من أسعد الناس وتكسب حبّهم، وأكثر ما شدّني في كلّ ما لَهُ علاقة به هو سهولة اللغة المستغلّة لإيصال المعلومة على عكس كتاب الشيخ الغزالي (جدّد حياتك) الذي كان صعبا بعض الشيء في فهم المعاني والذي يحتاج منّي قراءته مرّة أخرى والتفكّر أكثر في معانيه.
سأتوقّف هنا في هذا الجزء وسأقوم في الجزء التالي بسرد مجموعة من مبادئ (ديل كارنيجي) وترجَمَتِها وشَرحِها لكي نتعرّف على المبادئ الرائعة التي كتبها وجعلته من المشاهير ويا ليته اقتدى بها، وبعد ذلك لقد قمتُ بذكرها أو ردِّها لديننا بحسب ما أستطيع فانتظروني.