قبل أن أبدأ في هذا الجزء سألني صديق أيّ النوعين أفضل ويقصد (العمل المستقل) أو (ريادة الأعمال)، وبما أنّ السؤال مهمّ أحببت أن أسرد الإجابة ها هنا لتعمّ الفائدة.
برأيي أنّه لا يوجد ما هو أفضل من الثاني؛ بل إنّ هناك ما يتناسب مع شخصيتك وطموحك، فمثلا لو كنت شخصا تحبّ الاجتماعيات، ولا يمكنك التضحية بها فيما يسمى فترة التضحيات للخمس سنوات الأولى في العمل الحرّ بتأسيس شركتك الخاصة، فإذاً بالتأكيد لا تتناسب (ريادة الأعمال) معك، أمّا إذا كنت شخصا طموحا وتعلم جيّدا أنّ العمل المستقل وإن لم تكن حكيما في ادّخارك واستثماراتك من أجل المستقبل فإنّه قد لا يكون لديك مستقبل مالي فعليك بريادة الأعمال؛ فأنت تختار ما هو أفضل لك ويتناسب معك ومع ظروفك الخاصّة وشخصيتك وطموحك.
في الجزء الأول من هذه السلسلة ذكرتُ بأنّي كنتُ أبحث دائما عن مواصفتين في المستقلين وهما (عربيّ وذكيّ أو مميّز)، وبصراحة شديدة لم تعد تهمّني تلك الصفات أبدا، وأعلم جيّدا أنّها قد تسبّب الصدمة للبعض وخصوصا موضوع (العروبة)، ولكنّي أحبّ أن أوضّح أيضا بأنّي أصبحت لا أحبّذ العمل مع (غير عربي) في دولة عربية؛ الأسباب كثيرة وأهمّها عدم احترام الوقت لدى الكثيرين وهو ما يجب الاعتماد عليه أولاً وأخيراً عندما تعمل مع المستقلين.
كنت منذ سنة تقريبا قد لخّصت كتاب (ذكيّ ومنجز) أو (Smart & Gets things done) ويمكن العودة إلى تلك التدوينة –الجزء الأول–الجزء الثاني–، والكلمة المفتاحية في عملنا اليوم هو (منجز) فلو وجدت الشخص الذكيّ والمنجز فهذا رائع، ولكن ابحث أوّلا عن المنجز الذي ينهي العمل في وقته، فأنا مثلا أستطيع بناء سيارة لوحدي ولكن هذا قد يتطلّب منّي عشرات السنوات ولن ينتظرني أحد كلّ تلك المدّة.
كيف يمكن معرفة من ينجزون العمل؟
أعتمدُ في المقام الأول على التوصيات المبنيّة على السمعة؛ أيّ من بين العشرات الذين تعاملت معهم لم أستطع أن أنصح إلا بعدد قليل جداً لا يتعدّون أصابع اليد الواحدة، بل وأقع في حرج أحيانا لأنّ البعض يسألني ما رأيك بفلان بسبب تعاملاتي السابقة معه، وهنا أقول بأنّ فلانا مبدع ولكن إن كنت مهتمّا بإنجاز العمل في الوقت المحدّد فربّما لا يكون الشخص المناسب لك، وبالطبع الجميع يهمّهم موضوع الوقت لأنّ (الحجّ في غير ذي وقته لا يعتبر حجّا) فيجب على المستقلين دائما الانتباه لهذه النقطة.
في أحد مواقع توظيف المستقلين حصل لي موقف مع أحدهم وهو غير عربيّ والذي عملت معه بناءً على ميزانية ووقت محدّدين، وبسبب بعض المشاكل التي واجهها تأخّر تسليم المشروع من (شهر) إلى (شهر ونصف)، وكنت أعلم في قرارة نفسي بأنّ المشروع يحتاج إلى (شهر وأسبوع) ولكنّي حدّدت الوقت (بشهر) لكي أضغط عليه لينتهي في وقت محدّد ولا تزيد المدّة عن (شهر ونصف). وبعد انتهاء العمل وتسليمه المبلغ المتفق عليه بالإضافة إلى مكافأة ترضية لجودة عمله، وصلنا لموضوع التقييم وقيّمته (5/5) في كلّ المجالات ما عدا الوقت فقد قمت بإعطائه (4/5) وقد تضايق جدا وحاول أن يثنيني عن ذلك بإعادة المكافأة لي بل وبجزء من المبلغ الأصلي لكي لا أقيّمه في موضوع الوقت، بل ومن الممكن أن أضع أيّ علامة سيئة في أيّ مكان إلا في موضوع الوقت، واعتذرت منه بأنّ هذه أمانة لأنّ من سيتعامل معه من بعدي سيراجع تقييمات من تعامل معه سابقا.
اعتذر أفضل
تصلني عشرات من طلبات البرمجة الصغيرة والكبيرة أسبوعيا عبر الهاتف أو عبر بريدي، بل وبعضها ممّا يسيل اللعاب للفائدة الكبيرة العائدة من ورائه، ولكن بدأت أعوّد نفسي منذ سنين بأن أعتذر وأقول (لا) حتّى مع المغريات أحاول أن لا أحمل (بطيختين في يد واحدة) لكي لا تقع الإثنتان، وهذه هي المشكلة الثانية لدى الكثيرين ممّن تعاملت معهم فتجده يعمل بجدّ وبشكل جيّد وبعد فترة يستلم مشروعا آخر ربّما هو أفضل ربحيّة أو قد يكون لمجرد الطمع وتجد بأنّه قد قصّر في إنهاء ما اتفقنا عليه في الوقت المحدّد، ويبدأ بعدها مسلسل الاعتذارات وكثيرا ما أحاول أن أنسحب من هذه العلاقة لكي لا تُدمَّر بشكل كامل مع العلم أنّ الكثير منهم يكون قد سبّب لي الكثير من الخسائر لأنّني في العادة أكون مرتبطا مع عملاء آخرين وتأخّرهم عليّ يعني تأخّري على العملاء، وهذا يسبّب الإحراج أوّلاً، وربّما فَقْد ثقة العميل ثانياً التي تطلّبت منّي سنوات لبنائها، والكثير من المشاريع المتوقّفة حاليا ولم ترَ النور بسبب ذلك.
طرق التواصل
إن أردت أن تعمل بشكل مستقل فحدّد طريقة واضحة للاتصال بك وكذلك طريقة واضحة للتعامل معك، مثلا ما هي حدود إمكانياتك أو ماذا تستطيع أن تفعل بالضبط، وما هي المهارات المحدّدة أو كيف تقوم بالتسعير بالساعة أو بالمشروع، وبالتأكيد عيّنة من أعمالك لتكون واضحة للجميع، ولا تنسَ أنّ هذه الأمور تسهّل التعامل معك ولا تترك مجالا للعميل من الخوف من التعامل معك وخصوصا إن كان التواصل جيّدًا وفعّالا واحترافيّا من أوّل مرّة فهو الانطباع الأوّل الذي ستتركه لدى العميل.
ما السبيل إذاً للعمل مع المستقلين؟
لقد قمتُ بقطع عهد على نفسي ألّا أعمل مع المستقلّين إلّا إذا كانوا (أذكياء ومنجزين) أو ربّما أقوم بتجربة بعضهم من وقت إلى آخر على أن لا يكون ذلك لمشروع حقيقيّ أو يحتاج إلى وقت محدّد لينتهي، مثلا كما فعلت أثناء تأسيس شركة (موبايل سوفت) فعملت مع العشرات من المستقلّين على الكثير من المشاريع والتي كانت على سبيل التجربة والاختبار للفكرة والإمكانيّة وللشخص ومهاراته وأهمّها الوقت.
لقد قمتُ بقطع عهد على نفسي ألّا أعمل مع المستقلّين إلّا إذا كانوا (أذكياء ومنجزين) أو ربّما أقوم بتجربة بعضهم من وقت إلى آخر على أن لا يكون ذلك لمشروع حقيقيّ أو يحتاج إلى وقت محدّد لينتهي، مثلا كما فعلت أثناء تأسيس شركة (موبايل سوفت) فعملت مع العشرات من المستقلّين على الكثير من المشاريع والتي كانت على سبيل التجربة والاختبار للفكرة والإمكانيّة وللشخص ومهاراته وأهمّها الوقت.
فاصل ثمّ نواصل في هذه السلسلة في القريب العاجل بإذن الله.