تاريخ المقال طول المقال تتطلب قرائته
1123 كلمة 8 دقيقة

على مدار أكثر من (20) سنة ربما كان هذا أكثر سؤال يوجّه إليّ بعد سؤال "ما هو أفضل تخصص لدراسة الحاسب؟"، ولأهمية الموضوع سأقوم بسرد مقال مطوّل بعض الشيء للإجابة على السؤال حيث إنّه قرار مصيري ومهمّ للكثير من الشركات؛ بل إنّ نجاح أنظمة (ERP) في الشركات يساعدها في التطور وينعكس إيجابا على أدائها وتقييمها.

سأتحدّث وأصف الجانب المظلم في هذا العالم حيث إنّه ومن النادر جدا أن تجد جهة قامت بتبنّي أنظمة (ERP) يمكنها أن تصف تجربتها بالناجحة، وسوف أقوم بتعليل ذلك وسرد الأسباب وكيف تتمّ معالجة ذلك ضمن هذا المقال.


ماهي Enterprise Resource Planning؟

أنظمة إدارة موارد المؤسسات (Enterprise Resource Planning) هي أولى الأنظمة التجارية التي انتشرت في الأسواق وساهمت في مساعدة الشركات للدخول في عالم التقنية وتبنّي الأنظمة الرقمية لأتمتة وإدارة أعمالها، وكان الغالب في أذهان الناس عندما يتحدّثون عن الكمبيوتر أو الأتمتة فهم يتحدّثون عن أنظمة (ERP) بشكلٍ ما دون أن يعلموا عن المسمى.


ماهي أنظمة ووحدات (ERP)؟

أنظمة الـ (ERP) هي مجموعة من الوحدات التي تضمّ عادة وحدتين أو أكثر، مثلا هناك برامج محاسبية (Accounting System) وهناك برامج لإدارة الموارد البشرية (Human Resource Management System). في حال كانت هذه الأنظمة منفصلة ومعزولة عن بعضها البعض فتسمى كما هي كنظام مستقل، أمّا في حال كانت الوحدتان السابقتان متصلتين مثلا عندما يتمّ ربط رواتب الموظفين وتعويضاتهم والحسميات مع النظام المحاسبي تلقائيا فهنا يمكننا القول بأنّ النظام تحوّل من نظام مستقل إلى (ERP) كونه أصبح هناك تكامل بين وحدتين أو أكثر.

وحدات أنظمة (ERP) كثيرة ومنها (المحاسبة \ المالية، إدارة موظفين، إدارة مخزون، إدارة علاقات العملاء، المبيعات، المشتريات ...إلخ)، وهناك أنظمة (ERP) متخصّصة أكثر في قطاع محدّد مثلا (القطاع الصحي) حيث يضاف إلى الوحدات الأساسية لأنظمة (ERP) نظام مواعيد المرضى مثلا ويكون هو توسّع إضافي لوحدة (إدارة علاقات العملاء) لتصبح وحدة (إدارة علاقات المرضى) وتخصيص أكثر في نظام (إدارة المخزون) ليكون هناك نظام خاص (بالصيدلية) وهكذا.

وكمثال آخر عن أنظمة متخصّصة أكثر فهناك أنظمة مثلا متخصّصة في إدارة المدارس أو العملية التعليمية فتضاف وحدة (LMS) اختصارا إلى (Learning Management System) إلى نظام (ERP) حيث تصبح هناك إدارة أكثر للعملية التعليمية ومتابعة الدروس للطلاب، وهناك أنظمة متخصصة أكثر في المصانع حيث يضاف إليها وحدات لإدارة خطوط الإنتاج ومتابعتها وهيكل التكاليف وهكذا.

في أغلب الأحيان، الأنظمة المتخصّصة لا يسمّيها مطوّروها بأنظمة (ERP) وذلك لكي تكون أكثر تخصّصا في مجالها ولكنّها في الحقيقة هي تحت تصنيف أنظمة (ERP) والوحدات الجديدة والمخصّصة في الغالب ما هي إلا توسّع أو تخصيص لوحدات الـ (ERP) الأساسية.


لماذا نادرا ما نجد قصص نجاح لأنظمة (ERP)؟

لنتفق أولاً بأنّ هناك فعلا أنظمة (ERP) فاشلة حيث تكون حديثة أو بُنيَت أساسا لغرض محدّد ومن ثمّ تمّ تحويلها إلى أنظمة (ERP)، لذا فليس هدف هذه المقالة هو لتفنيد الأنظمة الناجحة عن الفاشلة من الأساس، فأنا أتحدث عن أنظمة عملاقة منذ سنوات وتطوّرت بشكل كبير ومنها ما هو مرتفع التكلفة مثل (SAP) و (ORACLE)، والمتوسط التكلفة مثل (MS Dynamic)، والمجاني والمفتوح المصدر مثل (ERP Next) و(ODOO) وشبيهاتها في السوق.

باختصار، كلّ الأنظمة السابقة تتشابه جدا من الناحية الوظيفية والقوة والأداء، بل أستطيع أن أنحاز قليلا أكثر وأقول بأنّ الأنظمة المجانية والمفتوحة المصدر أفضل من المدفوعة كنظام برمجي، ولكن الكلمة المفتاحية هنا ليست الكود، بل هو استخدام هذا النظام بكفاءة.

أسوء نظام من ناحية (تجربة العميل) وتعقيده وكبر حجمه من الأمثلة السابقة في نظري هو (SAP)، والمفارقة بأنّه هو النظام الأعلى تكلفة والأكثر نجاحا في التطبيق ولا يمكن استخدامه إلا مع جهات عملاقة لارتفاع التكلفة، علما أنّ الجهات الكبيرة التي تستخدمه منذ عشرات السنين وتعتبر من الجهات الأكثر نجاحا في تطبيقه والاستفادة من أنظمة (ERP)، كما أنّ ذلك واضح بالانعكاس إيجابا على أداء هذه الجهات، فهنا أيضا مثال على أنّ تجربة العميل أو الواجهات الجميلة ليست هي المفتاح الرئيسي لنجاح النظام.

الكفاءة في تطبيق الأنظمة يتطلّب تهيئة العاملين على هذه الأنظمة وتدريبهم على استخدامه، للتأكيد (استخدام) وليس (تخصيص) (Customization)، فأكبر مشكلة في إفشال أنظمة (ERP) هو محاولة (تخصيصها) للتناسب مع الجهة ممّا يُدخِل الجهة في طريق لا نهاية له من التعديلات والإصلاحات ومتابعتها دون إمكانية الخروج من هذا الطريق أبدا، وهذا قد ينعكس سلبا على التجربة بشكل عام.


لماذا تنجح أنظمة (SAP) و (ORACLE) أكثر؟

كما ذكرت سابقا، التدريب لا يعني فقط التعليم بل هي تبدأ من فهم احتياجات العميل مسبقا وتركيب الوحدات التي يحتاجها العميل فعليا، وبعد ذلك تدريب الموظفين لتوظيف استخدام مميزات النظام بشكل صحيح وفعّال بناءً على احتياجاتهم. أرجو أن لا تعتقد بأنّي أمدح أو أوصي بنظامي (SAP) و (ORACLE)،  أرجوك أكمل المقال فالعبرة في فهم المعضلة حتى تستطيع اتخاذ قرارك أيّ الأنظمة مناسب لك أكثر.


تجربتان ناجحتان لشركات محلية وعالمية في تطبيق نظام (ERP)

أنجح تجربة في تطبيق أنظمة (ERP) اطّلعت عليها كانت لأكبر شركة متخصّصة في النفط في المنطقة حيث استخدمت نظام (SAP)، وكان الاستثمار الكبير الذي خُصّص وما زال يخصَّص للنظام هو السبب الرئيسي لنجاح التجربة وذلك لتفصيل نظام يتوافق جدا مع متطلباتهم ومعاييرهم العالية.

التجربة الثانية وهي الأكثر إثارة للاهتمام وكانت أيضا لشركة عملاقة في مجال البتروكيماويات في المنطقة حيث قامت بدراسة وتحليل المتطلبات أيضا لنظام (SAP) ووجدت بأنّ هناك نسبة تقريبية مقدارها (4%) ممّا يحتاج النظام لتخصيصه وتعديله ليتوافق مع احتياجتهم (100%)، فقامت الشركة باتخاذ قرار حكيم وشجاع وهو الأصح برأيي والذي سأبني عليه حجتي.

هذا القرار كان بعدم تخصيص (عمل Customization) للنظام بل تبنّيه كما هو والعمل على تعديل بعض الإجراءات في العمل نفسه لتتوافق مع النظام الإلكتروني كما هو، وبهذا وفّرت الشركة تكلفة (التخصيص) والذي ما إن تدخله سيكون مستمرا وضروريا مع كل تحديث للنظام.


الفشل في التخصيص (Customization)

نسبة فشل التجربة وزيادة التكلفة لتبنّي أنظمة (ERP) تزيد اطِّراداً مع كل تخصيص (Customization) للنظام، فالحل الطبيعي هو تبنّي النظام كما هو وتعديل بعض إجراءات العمل لكي تتوافق مع هذا النظام ولكي لا يتحوّل تبنّي النظام إلى كابوس يضعك دائما في مخاطر لو أردت أن أقومَ باستعراضها سوف أحتاج إلى مقال آخر.


تجربة نجاح لشركة صغيرة

قبل بضع سنوات استشارني صديقي الذي يملك الآن شركة ستارت أب ناجحة ومعروفة بما هو أفضل نظام (ERP)،  وشرحت له ما هو بمضمون هذا المقال، وقلت له لو أردتَ أن تنجح في تطبيق النظام أجبر من لديك على تبنّيه كما هو وخصوصا (المحاسب) لديك، ومن ثمّ (مدير إدارة شؤون الموظفين) وفعلا هذا ما فعله؛ حيث إنّه قام بتوجيه أمر مباشر للمحاسب مفاده (هذا هو النظام الجديد الذي سوف نعتمده ولديك مهلة مدّتها أسبوعان للانتقال إليه أو سيتمّ استبدالك بمن يستطيع مباشرة)، ولقد نجحت هذه التجربة فعلا وهي مستمرة حتى الآن رغم محاولة هذا المحاسب مرارا وضع كل مشاكل العالم في هذا النظام الجديد والذي سوف يتسبّب ربما حسب وصفه إلى حدوث حرب عالمية.


الخلاصة

إن أردتَ أن تنجحَ في تطبيق وتبنّي أنظمة (ERP) قم باستخدام أحد الأنظمة المذكورة في الأعلى والأقرب لاحتياجك ومتطلباتك مع تفضيلي للمجاني منها، وقم بتعديلات بسيطة في إجراءات العمل لديك لتتوافق مع النظام ليكون ذلك أكثر كفاءة وأقل تكلفة وأسرع تنفيذا وتبنّيا للنظام، وفي حال لم يكن هذا النظام كافيا فقم ببناء نظام آخر منفصل تماما وارتبط أو تكامل مع هذا النظام عبر خدمات (API). كما ويمكن استخدام عشرات الأدوات الخارجية الجاهزة والتي يمكنها أن تتمّم هذه الإجراءات دون الحاجة إلى برمجة شيء جديد مثلا لبناء التقارير وشاشات المعلومات؛ إذ إنّه يمكن استخدام أدوات مثل (BI) أو أدوات للأتمتة البسيطة مثل (ZAPIER) وغيرها لعمل أتمتة وتسيير كامل لإجراءات العمل بشكل كامل.