في المقالتين السابقتين اللتين تحدّثت فيهما عن الوقت المناسب للاستقالة من وظيفتك الحالية والتفرّغ للعمل الحرّ، وكذلك عن ما تحتاج إلى فعله قبل أن تُقْدِم على الاستقالة من وظيفتك؛ قمتُ فيهما أيضا بذكر الاستقلال المادّي وكما وعدتكم فها أنا أفرد له مقالة خاصة لشرح ماهيته بشكل تفصيلي.
الاستقلال المادّي كما أقوم بتعريفه هو المدّة التي تستطيع أن تحيا فيها دون أن يكون لك أيّ موارد دخل، وخلال هذه الفترة أنت تقوم فقط بالصرف من مدّخراتك؛ وعليه فإنّ هناك عمليّة حسابية سهلة تحدّد كم المدّة التي تستطيع فيها أن تكون مستقلا ماديا، وذلك عبر حساب المصروفات الشهريّة ومن ثمّ معرفة المبلغ الذي تحتاجه شهريّا، ومن ثمّ تقسيم ما لديك حاليا من مدّخرات لمعرفة عدد الشهور، ولكي يتّضح المقال بشكل أكبر سأقوم بوضع مثال عملي بسيط.
ملاحظة: الاستقلال المادي يختلف عن رأس مال المشروع الذي يحتاجه مشروعك، فمثلا لو افترضنا أنّ مشروعك بحاجة إلى رأس مال مقداره (100) ألف ريال ومصاريفك الشهرية عبارة عن (4000) ريال فأنت بحاجة إلى أن تملك ما مقداره (124) ألف ريال لكي تكون مستقلا ماديّا لمدّة (6) أشهر مثلا.
يعمل محمّد موظّفا براتب شهري مقداره (8000) ريال ويودّ الاستقالة من وظيفته الحالية وذلك للتفرّغ للعمل الحرّ، لذا فهو بحاجة لأن يكون مستقلا ماديا على الأقل 6 أشهر حتّى يبدأ عمله الحرّ بِدَرِّ دخل/ربح مناسب لتغطية مصاريفه الشهريّة.
لنبدأ الحساب بأرقام تقديريّة، مثالا على ذلك علينا تقسيم المصاريف إلى مجموعات عديدة رئيسية ونسرد تحتها بعض البنود، ويمكنك الإضافة أو الحذف حسب حالتك.
المنزل/ البيت/ السكن
- قسط شهري للمنزل/ أو الإيجار الشهري: 1500 ريال.
- تكاليف الصيانة الشهرية للمنزل: 200 ريال.
- راتب العمالة المنزلية الشهري: 0.
المواصلات
- القسط الشهري للسيارة: 1500 ريال.
- تكاليف الصيانة الشهرية: 200 ريال.
- تكاليف البنزين: 200 ريال.
- تكاليف التأمين والأوراق الرسمية: 200 ريال.
المرافق
- فاتورة الكهرباء الشهرية: 200 ريال.
- فاتورة هاتفك الجوال: 300 ريال.
- فاتورة الزوجة/ الأولاد الشهرية: 200 ريال.
- فاتورة الماء الشهرية: 50 ريال.
- فاتورة هاتف المنزل/ الإنترنت: 300 ريال.
المواد الأساسية
- المواد الغذائية: 2000 ريال.
- أدوات ومواد التنظيف: 200 ريال.
- الملابس: 300 ريال.
الحساب البنكي
- المدّخرات الحالية: 10000 ريال.
- الراتب الشهري: 8000 ريال.
- دخل شهري آخر: 0.
في الجدول السابق لم أقم بحساب مبلغ للطوارئ، مثل الحالات الطبيّة أو غيرها، وكذلك فأنت بحاجة إلى إضافة نسبة مقدارها (20%) إضافيّة من المبلغ وذلك لكي تكون حساباتك أقرب إلى الواقع، فهناك أمور قد تكون نسيتها أو لم تضعها في حسبانك.
حسب الجدول السابق ودون حساب مبلغ الطوارئ أو النسبة الإضافيّة فإنّ المصاريف الشهريّة لمحمد هي (7350) ريال وبهذا لم يتبقَّ من راتبه الشهري سوى (650) ريال، ولو اعتمد عليه فقط لكي يصبح مستقلا ماديّا فإنّه بحاجة إلى ادخار المبلغ المتبقي من راتبه بعد خصم المصاريف لمدّة سنة كاملة ليستطيع الاستقلال ماديّا لمدّة شهر واحد فقط، وعليه لا بدّ أن يقوم بزيادة دخله الشهري أو تقليل مصاريفه وذلك ليجمع ما مقداره (44100) ريال وهذا ما يحتاجه ليستقلّ ماديّا لمدّة (6) أشهر على الأقل.
عندما أخبرت صديقا لي بموضوع الاستقلال الماديّ منذ فترة أخبرني بأنّه أخيرا أصبح يعرف أين يذهب راتبه الشهري، بل وساعده ذلك في الانتباه إلى مصروفاته وقام تبعا لذلك بتقليلها والبحث عن عمل آخر لزيادة دخله، كما أنّ البعض الآخر قد يفكّر في التخطيط لامتلاك مسكنه الخاص وذلك لأنّه الشيء الوحيد الذي هو مضطرّ إليه في حال لم يكن يملك أيّ دخل، ولكن عن نفسي لا أنصح من حولي بهذا الأمر خصوصا أنّ الحصول على مسكن في هذه الأيام يعني الالتزام لمدّة طويلة، وذلك بسبب المبالغ الخياليّة المطلوبة في العقارات ممّا يسبّب عبئا ماديّا إضافيّا قد يؤجّل فكرة العمل الحرّ لمدّة أطول.
وبما أنّني ذكرت موضوع السكن الخاص فلعلّي سوف أذكر في مقال لاحق عن اختبار بسيط صغير يحدّد مدى الحاجة إلى مسكن خاص والوقت اللازم لحاجتك إلى منزل خاص.
في النهاية، أودّ أن أختم بأنّه على الجميع حتّى لو لم يفكّر في العمل الحرّ أن يكون مدّخِرا ولو مبلغا صغيرا ليكون مستقلا ماديا على الأقل (3) أشهر وذلك تحوّطا للظروف، فمثلا لو صرفت/ تركت/ طردت من عملك لأيّ سبب فسيكون لديك فترة زمنيّة مناسبة للبحث عن وظيفة أخرى بديلة جيّدة بدلاً من الاستعجال بالقبول بأيّ وظيفة جديدة فقط بسبب الضغط المادي الذي تشعر به.