منذ فترة طويلة كنت في زيارة لأحد الزبائن بناءً على رغبته لعرض منتج أقوم بتسويقه مع أنّي حاولت قدر الإمكان أن أتملّص من هذه الزيارة، لأنّي ومن خلال الحديث معه عبر الهاتف ومراسلاتي عبر البريد كانت هناك مؤشرات تدلّ على عدم جديّة هذا العميل، وكذلك قلّة فرص إمكانيّة إتمام الصفقة وبالتالي فإنّ زيارته تعدّ ضياع وقت ليس إلاّ، كما أنّ إحساسي الداخلي كان يخبرني بأنّ هذا العميل يودّ أن يتخلّص من الاتفاق الذي بيننا كما هو الحال معي ولكنّه لم يجد الطريقة المناسبة إلّا عبر الاجتماع وجهًا لوجه؛ لهذا أردت أن أريحه من هذا العناء من قِبَلي وأخبره بأنّني قد فهمت النتيجة ولا حاجة لإضاعة المزيد من الوقت ولكن بدوري لم أستطع أن أشرح له ذلك عبر الهاتف فقمت بزيارته مجاملة ولكي أترك له مجالا لحفظ ماء وجهه.
أثناء الدقائق الأولى من الاجتماع تأكّدتْ لي كلّ أفكاري وبأنّ العميل يودّ التملّص فعلا، بل وقد ارتفعت نسبة عدم إتمام المشروع إلى 95%، ولكن عبر حديثي معه وبشكل عجيب لم تمرّ دقائق حتّى تمّت الصفقة وانتهت على أكمل وجه، وخرجت من ذلك الاجتماع وأنا متفاجئ من هذه النهاية السعيدة غير المتوقعة.
بعد تلك القصّة تكرّر الأمر معي بضع مرات، وفي كلّ مرّة تزيد فيها نسبة فشل الصفقة 80% بحسب تقديري كلّما نجحت الصفقة أكثر، بل كانت أفضل ممّا لو توقّعت في أفضل حالاتي، حتّى إنّ هذه القصّة تكرّرت معي مؤخرا ولكنّي هذه المرّة لم أجعل الأمر يمرّ مرور الكرام وجلست أفكّر مع نفسي ما هو السبب الذي جعلني أحكم على الصفقة بالفشل؟
خلال تفكيري كنت أودّ أن أصل إلى نتيجة مفادها بأنّي لا أستطيع الحكم الصحيح ولكنّي قمت بعمل تجربة منذ أيام، وقمت بزيارة مساعدة مع أحد الأصدقاء لأحد عملائه والذي تأكّد لي وله بأنّ الصفقة لن تتمّ؛ بل إنّه عند بداية الاجتماع زادت التوقّعات وعندها تذكّرت بأن أقوم بتجربة سريعة لأتأكد من سبب الحكم وكيف ستتحول الصفقة إلى نجاح والذي تمّ بالفعل!
قد تستغربون من النتيجة التي توصّلت إليها ولكنّي بدأت أقتنع بها فعلا، وهذه النتيجة تقول (كلّما زادت نسبة الفشل كلّما زادت نسبة النجاح)!
غريبة! حيث إنّه من المفروض أن تكون العلاقة تضادّاً؛ فزيادة نسبة الفشل تعني بالتأكيد قلّة في نسبة النجاح ولكن ما السرّ في استنتاجي؟
يعود السبب بعد التحليل إلى نقطتين أساسيتين؛ قد تطغى إحداهما عن الأخرى بحسب الموقف لكن لن تخرج عنها.
النقطة الأولى: التحرّر من الضغط
بما أنّي أعلم أنّ مآل هذه الصفقة هو الفشل فلم أعد قلقا من نجاحها، ولم أعد قلقا من عدم إتمامها بل على العكس قد أُسهِمُ في إخفاقها ولكنّي أفضّل دائما أن لا أكون خاسرا، لهذا قد تجدني أركّز على أمور أخرى مثل ترك انطباع جيّد لدى العميل كي تكون العلاقة التي مرّت بيننا ربّما قد تُسهِم في المستقبل بمشروع آخر، وربّما أيضا أحاول أن أشجّعه على خياره في حال كان فعلا خيارا حكيما، فمثلا قد لا يحتاج فعلا لما أقدّمه وبهذا أكون بدور الناصح وليس بدور البائع الذي يودّ البيع مهما كلّف الثمن. وفي النهاية قد أدلّه على منتج آخر أو طريقة أخرى لحلّ مشكلته دون أيّ مقابل وذلك من باب (إن أكرمت الكريم ملكته)، وفي كثير من الأحيان فعلا يعاود ذلك العميل الاتصال بي لاحقا بخصوص أمور أخرى وذلك ليردّ إليَّ الجميل الذي فعلته له أو من باب أنّه أصبح واثقا بأنّني لن أغشّه وبأنّني أبحث عن مصلحته أوّلا.
النقطة الثانية: أبذل جهدا أكبر
بما أنّني تحرّرت من الضغط فإنّي سأبذل جهدا أكبر في محاولة شرح منتجي أو خدمتي بشكل أفضل، وذلك لكي يعرف العميل بأنّه يقارن بشكل صحيح وعلى دراية كاملة أو على الأقل لكي أترك لدى العميل انطباعا إيجابيا عمّا أقدّمه لكي لا يذمّه في حال لم يقم بالحصول عليه من طرفي. مثلا أقول له: "أعلم بأنّ عامل السعر مهمّ لديك وربّما تتخذ قرارتك بناءً عليه، ولكن بالنسبة لما أقدّمه فلا أستطيع أن أقدّم سعرا أقل لأنّ ميزات المنتج أو ما أقدّمه من خدمة ذات قيمة أكبر وأبدأ في تفصيل الفوائد".
وبهذا فإنّي سأترك لدى العميل انطباعا جيّدا على الأقل؛ حتّى في حال عُقِدَت مقارنات منافِسة مع ما أقدّم مِن منتج أو خدمة أخرى في المستقبل فإنّه لن يذمّ منتجي بل قد يشكّك في حكمه واختياره : )
الغريب أنّه فعلا عندما أقوم بذلك أرى بأنّ الصفقة قد تحوّلت إلى صالحي، وعليه فالسؤال الآن هل يجب أن أعامِل كلّ الصفقات بأنّها صفقات فاشلة حتّى أبذل جهدا أكبر أم أتوقّع النجاح ولا أترك مجالا للفشل وذلك باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإنجاح هذه الصفقة!
بالتأكيد سأحاول دائما أن أتذكّر القيام بذلك، وأتمنّى أن أسمع آراءكم وحكمكم على استنتاجاتي.
هذه المقالة متوفّرة صوتيا إن أردت الاستماع إليها: