تاريخ المقال طول المقال تتطلب قرائته
942 كلمة 6 دقيقة

تخطى حجم سوق NFT العام الماضي (2021) ما قيمته (40 مليار دولار أمريكي)، وهذه المبالغ التي تم رصدها فقط ضمن شبكة (Ethereum) ضمن العقود الذكية التي استخدمت لشراء NFT بحسب (bloomberg).

سأعود قليلا لتعريف ما هو (NFT) على عجالة لكي يتضح لنا أين هو الجانب المظلم في هذه التجارة فالكلمة هي اختصار لــ (non-fungible token) أو باللغة العربية (الرمز غير القابل للاستبدال) أو بتعريف أقرب للفهم (الرموز النادرة) أو (الأصول الرقمية النادرة).

مع إعجابي بفكرة (NFT) كفكرة عامة يمكن أن توظف بشكل حقيقي، وبعيدا عن الجانب الشرعي في الموضوع - كوني لست أهلا للحديث فيه- ومع يقيني بأن ما يباع ليس له قيمة وهو مخالف للمنطق فما بالك بالشرع،  إلا أنني أؤكد بأن ادعاء الندرة في (NFT) باطل وغير صحيح بل إن قيمة عملات ألعاب الفيديو (video game currency)  قد تكون ذات قيمة أعلى، بل وأكبر مواقع الـ (NFT) تقوم بالتنويه بخط صغير عن كونها لا تستطيع أن تضمن لك حقوق تملكك لهذه الصورة خارج الموقع.


الندرة مستودع القيمة

إذاً الأساس هو (الندرة) وهو يعني (القيمة) أو كما يعرف في عالم الاقتصاد باسم (مستودع الثروة)، فلوحة (الموناليزا) قيمتها المرتفعة هو في عدم وجود نسخة أخرى منها بل ولو قام (ليوناردو دافنشي) نفسه بمحاولة إعادة رسمها فسيكون هناك اختلاف في الصورة، كما أن قيمة اللوحة نبعت من القيمة التي وضعها الناس لها وليست في الرسمة نفسها.

إذاً القيمة يتم صنعها في أذهان الناس، ولكن الأثرياء من هواة جمع المقتنيات النادرة والتحف في الغالب ينظرون لهذا الجانب من ناحية استثمارية لحفظ الثروة في وعاء آخر، طبعا هذا بجانب (الهياط) التباهي في الحصول على هذه التحفة النادرة والتي من شأنها رفع قيمة هذا الغرض الذي ليس له قيمة أصلا.


ما يمكن نسخه لا يمكن أن يكون نادرا

لو أردنا تعريف عكس الندرة فهو الوفرة ومن أساليب الوفرة هو إمكانية النسخ، فلذا من غير المنطقي أن تكون هناك (سيارة تيسلا) نادرة فكلها تشبه بعضها البعض وتختلف بسنة الإنتاج وتصنع بشكل شبه آلي مؤتمت بالكامل (يمكن نسخها)، ولكن ستجد سيارة (Willys jeep 1952) نادرة لأنها صنعت بعدد قليل وأيضا كانت تصنع بالغالب يدويا ولم تعد تصنع الآن، وبنفس الوقت هناك من هم من هواة جمع هذه السيارات فإذاً هناك قيمة لها في أذهان الناس.


الأصول الرقمية يمكن نسخها واختراقها

أكبر معضلة تواجهها الشركات في العالم الرقمي هو سهولة الاستنساخ، ابتداءً من حقوق الملكية لكل أنواع المحتوى مثل (الموسيقى، والأفلام، والبرامج، إلخ) بالإضافة إلى المشاكل الأمنية في سرقة الحقوق أو الاختراقات وهي التي تؤرق صناعة البنوك حول العالم في تسارع الانتقال لعالم البنوك الرقمية.


ادعاء حل الندرة NFT

تقنية البلوك تشين وضعت حلا لمشكلة الاستنساخ وذلك باستخدام سلسلة من الكتل التي يجب أن تعالج لحفظ قواعد البيانات الموزعة على آلاف الأجهزة بشكل غير مركزي لكي لا يكون هناك مجال للخطإ أو التكرار أو السرقة على مستوى الرمز (TOKEN) الذي تنشئه الشبكة نفسها وغير قابل للتكرار أو النسخ فقط لأنه محمي بشبكة لا مركزية من الأجهزة الموزع عليها نفس البيان مما يسهل تغيبرها أو اختراقها أو التلاعب بها مجتمعة.


من هناك وصلنا لادعاء إمكانية أن يتم استخدامه في حفظ الأصول الرقمية (الرموز) ولكن ما لا تعرفه بأن الرمز نفسه (NFT) لا يتحول إلى (TOKEN) في الشبكة بل يستخدم عنوان المحفظة كمرجع لمالك الرمز في قاعدة بيانات جهة وسيطة (مركزية).


تمثيل لعملية الشراء والبيع

ولكي نعرف حقيقة الأمر دعني أشرح لك من هم اللاعبون (المشغلين) في مواقع (NFT)

المشتري المستخدم (أنت)، المحفظة الرقمية (برنامج يحفظ عنوان محفظتك)، موقع NFT (اسم نطاق وليكن عبدو.كوم)، الصورة أو الرمز (السلعة) صورة قرد بعينين زرقاوين، البائع وليكن (جورج) (صاحب الصورة أو من قام برسمها).

خالد قام برسم صورة (قرد بعينين زرقاوين) عبر برنامج (Adobe Illustrator) على جهازه وقام بعرضها للبيع بقيمة (5 دولار) في موقع (xyz.com) وبهذا يظهر (خالد) بأنه صاحبها (المالك الأصلي) في موقع (xyz.com) فقط، مع العلم أن الصورة لديه ويمكن نسخها وتوزيعها بل وبإضافة (1 بيكسل غير مرئي) ستتغير الصورة بشكل كامل كترميز رقمي للصورة، مع وضع بالاعتبار أيضا أن الصورة المعروضة في الموقع متاحة لأي شخص بأن يقوم بنسخها وتوزيعها، وغالبا مواقع (NFT) لا تقوم بتسجيل الأصل عبر شبكة (Blockchain) في البداية لأن تكلفة العملية مرتفعة حاليا وقد تتخطى وقت كتابة هذه المقالة (250 دولار أمريكي للعملية كأجور شبكة Ethereum فقط). لذا فالصورة الآن غير مسجلة أصلا باسم أي أحد في الشبكة، بل هي مجرد صورة في موقع (xyz.com) مثلها مثل أي صورة في أي موقع آخر.

فلو قمت أنت بشراء الصورة مع خيار ربطها بواسطة (Blockchain) فأنت ستدفع قيمتها وليكن (5 دولار أمريكي) + (قيمة تسجيلها في البلوك تشين) وهي (250 دولار)، هذا لو أردت أن تسجلها أصلا.

السؤال هنا هل تسجيلها في البلوك تشين ودفع هذا المبلغ يعني أنها لن تكون مكررة ونادرة وأصبحت ملك الشخص؟

الجواب ببساطة لا، فهناك ثلاثة مفاتيح مرتبطة في العملية وتغيير أي منها يعني إمكانية تكرار هذا الأًصل.

المفتاح الأول (عنوان المحفظة)، المفتاح الثاني (عنوان الموقع)، المفتاح الثالث (الصورة).

فلو تغير المفتاح الثاني، أي لو تم عرض الصورة في موقع ثانٍ فإنه يمكن أيضا بيعها لشخص آخر وربطها في بلوك تشين كرمز غير قابل للاستبدال.


الخلاصة

لو أن الموقع توقف مثلا (xyz.com) فأنت لا تملك شيئا بل وليس لديك إثبات بأن ملكية الصورة تعود إليك، بل ويمكن للموقع أن يتلاعب بذلك أو يحذفها أو لو تم اختراقه فيمكن تغيير المالك، باختصار أنت تدفع مبلغا كبيرا مقابل رابط لصورة في موقع محدد.

أتمنى أن أكون قد وضّحت المشكلة التي أتحدث عنها وبيان افتراء الندرة في موضوع (NFT).


كيف يمكن حل المشكلة؟

الحل الأول المنطقي والمستحيل

يمكن حلها في وجود جهة مركزية منظمة لحقوق الملكية (وهو ما يخالف كل توجهات مجتمع البلوكتشين في اللامركزية) حيث تقوم هذه الجهة بحفظ هذا الرمز وتستطيع عن طريقها ملاحقة حقوقك قضائيا.


الحل الثاني الربط الفيزيائي

يكمن هذا الحل في أن تكون هناك نسخة فيزيائية مثلا موقّعة من المالك الأصلي حيث تنتقل فيزيائيا للمالك الجديد وهكذا، ويكون هناك شيء آخر ملموس لا يمكن استنساخه أو على أقل تقدير يصعب استنساخه.


تعرف أكثر

هنا يوجد كورس تدريبي على موقع (Udemy) بعنوان (NFT Fundamentals (Buy, Create and Sell NFTs)) وفيه تخفيض. هذا الكورس يحكي أكثر بشكل عملي عن كيفية بناء وبيع NFT ومنها تستطيع التعرف أكثر على هذا العالم عن قرب.